أبواب

لطفاً.. اضغط زر المصعد!

محمد حسن المرزوقي

من الصعب التحدث عن رواية بعظمة رواية «مزرعة الحيوان»، للكاتب الإنجليزي جورج أورويل، دون الوقوع في فخ التكرار. مهما حاولت البحث عما تقوله عنها ستجد أنك تعيد بشكلٍ أو بآخر ما سبق وقاله الآخرون. أعلم يقيناً بأنني مهما قلت عن هذه الرواية السياسية التي خلّدت اسم جورج أورويل في جمهورية الأدب، سأجد قارئاً ينظر إليّ بسخرية ويقول «وما الجديد؟».

• نعم يا زملائي الكتّاب الذين تقفون في الطوابق العليا، إن الواجب الأخلاقي والأدبي يُلزمكم بضغط زر المصعد ليصل بسرعة إلى زملائكم الذين يقفون في الطابق الأرضي.

نعم لا جديد يمكن أن أقوله عن رواية فازت بالعديد من الجوائز، واختارتها مجلة «تايم» كواحدة من أفضل 100 رواية كُتبت بالإنجليزية.

لكن ما قد لا يعرفه كثيرون عن هذه الرواية التي تباع اليوم في جميع المكتبات، هو أن جورج أورويل عانى كثيراً قبل أن تجد «مزرعة الحيوان» ناشراً يوافق على نشرها، فقد عرضها أورويل على أربعة ناشرين، قبل أن يجد في نهاية المطاف ناشراً يوافق على نشرها في طبعة صغيرة.

مفاجأة أليس كذلك؟ كلا، فالمفاجأة لم تأتِ بعد.

كانت «فابر آند فابر»، إحدى دور النشر التي قصدها «أورويل» لنشر روايته، حيث كان الناقد والأديب «تي.سي إليوت»، صاحب القصيدة الشهيرة «الأرض اليباب»، يعمل محرراً أدبياً لديها آنذاك. ربما اعتقد أورويل بأن وجود إليوت في تلك الدار سيسهل عملية نشرها، خصوصاً أنه كان قد كوّن شهرة أدبية لا يستهان بها قبل كتابة «مزرعة الحيوان»، ولم يدر في خلده أن إليوت شخصياً هو الذي سيرفض نشرها، باعتبارها «رواية غير مقنعة». هذه الرواية التي دائماً يقع عليها الاختيار عند التصويت على أفضل الكتب على الإطلاق، خرجت من المطبعة بسبب خطاب توصية كتبه إليوت شارحاً فيه أسباب عدم الموافقة على نشرها، وأنه لم يقتنع بالأفكار السياسية التي تستند إليها أحداث الرواية.

تذكرت تجربة أورويل السيئة قبل أيام، بعد أن التقيت بكاتب إماراتي مجتهد، نشر آخر رواياته في جو من التعتيم الإعلامي. كانت علامات الخيبة بادية على وجهه وهو يسرد لي بالتفصيل كيف أن العديد من الكتّاب الإماراتيين الآخرين، ممن قرأوا روايته وأثنوا عليها بالسر، رفضوا أن يكتبوا عنها كلمة واحدة في العلن، بحجة أنه يجب أن يقف على قدميه بنفسه دون الاتّكاء على أكتاف الآخرين.

أعتقد أن هذه المشكلة، واسمحوا لي أن أُطلق عليها مشكلة، من أسباب شلل الحركة الأدبية في الإمارات، مقارنة بدول الخليج الأخرى. عندما نشرت الكاتبة السعودية رجاء الصانع روايتها «بنات الرياض»، وهي رواية متواضعة فنياً بإجماع النقاد، أثنى عليها الأديب والوزير د. غازي القصيبي، رحمه الله، واعتبرها «عملاً يستحق أن يقرأ». لقد كان القصيبي، على عكس «إليوت»، رجلاً ببعد نظر، فقد كانت «بنات الرياض» التي شجّع كاتبتها بكلمة طيبة، مع ثقتي بأنه كان يعلم بأنها رواية ضعيفة، الباب الذي عبر خلاله بعد ذلك عشرات الروائيين السعوديين.

على الرغم من أنني لا أحب أن أرتدي ثوب الناصح الفضفاض، خوفاً من أن أدوس على طرفه وأتعثر، إلا أنني أجد أنني مضطر لسرد هذه الحكاية التي أوردها الكاتب الإماراتي أحمد أميري في كتابه «أبوقلم»، لعلها تكون سبباً في تغيير أفكار بعض زملائي الكتّاب.

عندما سُئل الممثل الأميركي، كيفن سبيسي، عن سبب افتتاحه أكاديمية للفنون المسرحية في دبي، أجاب «اعتاد معلمي أن يردّد عبارة دائماً، وهي العبارة ذاتها التي أقوم بتبنّيها اليوم، فهو يؤمن بأنه في حال نجاحك في المجال الذي اخترته بنفسك، فأنت ملزم بإرسال المصعد إلى من ينتظرون في الأسفل».

نعم يا زملائي الكتّاب الذين تقفون في الطوابق العليا، إن الواجب الأخلاقي والأدبي يُلزمكم بضغط زر المصعد ليصل بسرعة إلى زملائكم الذين يقفون في الطابق الأرضي. ضغطة زر واحدة لن تكلّفكم شيئاً، لكنها قد تعني الكثير لزملائكم.

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر