٥ دقائق

الليالي العشر

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

قدمت علينا ليالٍ عشر مباركة، عظّم الله شأنها، وأكرم المتنافسين فيها بكرامات كريمات، وهبات عظيمات، وقد تواردت الأدلة على عظيم فضلها من الكتاب والسنة، أما الكتاب فإنه سبحانه أقسم بها فقال سبحانه: ﴿وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ليدل عباده على فضلها، وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن المراد بها عشر ذي الحِجة، ولله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، وأقسامه سبحانه في كتابه لتنبيه عباده على ما في المقسم به من سر فيلتفتوا إليه، وسر هذه العشر أن فضلها عظيم فمن تعرض له ناله، والتعرض لذلك الفضل يكون بالاشتغال فيها بما يقرب العبد إلى ربه زلفى، ولديه ذخراً، وهو ما أشار إليه سبحانه بقوله: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾، والأيام المعلومات هي هذه العشر، فنبه سبحانه إلى فضيلة الذكر فيها لعظيم منزلة الذكر عنده سبحانه، فهو أكبر من كل عمل صالح يقدمه المرء لنفسه عند ربه، كما قال سبحانه: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾، وهو ما بيّنه المصطفى صلى الله عليه وسلم، بقوله «ما من أيام أحبُّ إلى الله فيهن العملُ من هذه الأيام أيام العشر، فأكثروا فيهن التكبير والتهليل والتحميد»، وفي حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحبُّ إلى الله من هذه الأيام العشر»، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء».

• هذه الأيام هي من مواسم العمر، التي ينبغي للمسلم الحرص عليها، بما يستطيع من عمل صالح.

وفي الحديثين دلالة واضحة على أن هذه الأيام والليالي أفضل الأيام على الإطلاق؛ لأنها وردت بأسلوب الحصر نفياً وإثباتاً، وورد ذكر الأيام منكَّرة في سياق النفي ليفيد العموم، والمعنى في ذلك أن هذه الأيام هن أفضل من غيرهن، حتى من عشر رمضان؛ لأن فضيلة العشر لأجل ليلة القدر، وهي مخفية في لياليها، أما هذه ففضيلتها لذاتها، وهي معيَّنة لا خفاء فيها، وكل من وفّقه الله فيها للعمل الصالح فقد أدرك أعظم الأجر حتى من أجر الجهاد في سبيله، الذي قال عنه سبحانه: ﴿وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً﴾.

فهذه الأيام هي من مواسم العمر، التي ينبغي للمسلم الحرص عليها بما يستطيع من عمل صالح، وأجلّ الأعمال ذكر الله تعالى، وهو عام لكل ذكر من تسبيح وتحميد وتهليل وتكبير واستغفار وقراءة قرآن وصلاة وسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، فمن اشتغل بشيء منها فقد فاز فوزاً عظيماً، فهو أعظم الأعمال عند الله كما قال صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة»، وقال معاذ بن جبل: «ما عمل آدمي من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عز وجل».

ويستوي في اغتنام هذا الفضل الحاج والقاعد، والرجل والمرأة، الطاهرات منهن وذوات الأعذار، والمسافر والمقيم، فهو سهل المنال، فيذكر المرء قائماً وقاعداً وماشياً وراكباً، ويكون باللسان والجنان، وهو أعظم أجراً، أو باللسان ولو كان القلب مشغولاً، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لايزال لسانك رطباً بذكر الله» أو بالقلب بِتعلق الذاكر بالمذكور سبحانه تعظيماً لجلاله، وتقديساً لذاته، ووقوفاً عند حدوده، وتجنباً للمشتبهات، فمن كان كذلك فهو ممن اكتسب فضل هذه العشر، ونال أعظم الأجر.

* «كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر