5 دقائق عادل محمد الراشد

في حب النبي

عند باب السلام، في الركن الأيمن من المسجد النبوي، تصطف أرتال من المسلمين بقلوب متعلقة بالمكان وصاحبه، وتتحرك بخطوات بطيئة، تحفها السكينة، ويهمن عليها صمت لا تسمع فيه إلا همساً بالصلاة والسلام على النبي، الذي لايزال صدى دعوته يحرك المشاعر، ويُعمل العقل، ويُشغّل محركات الفكر البشري إما حباً وشوقاً، وإما غيظاً وحقداً.

تلك الجموع ومن حولها من ملايين المسلمين تبدو أكثر تعلقاً بنبيها الذي أحبته ولم تره، وربما تصل هذه المحبة إلى ما لا يحبه المحبوب، كأنه تكفير عن هجر ما أحبه النبي أن يكون في اتباعه. وكمعظم تفاصيل حاضر المسلمين المتراجع عن فهم مقاصد الدعوة المحمدية الشاملة، اختزل أكثر المسلمين الاتّباع في عاطفة لا تكاد تغادر المشاعر إلى الجوارح، ولا تترجم الأقوال أفعالاً.

• بناء على ذلك الفهم العميق لمقاصد محبة النبي، تحول العربي المرهون بعصبيته لمحيطه الضيق، إلى إنسان صانع للمدنية وبانٍ للحضارة وناشر لقيم السلام والتسامح وحرية الاعتقاد، ومناصر للضعيف وعدو للاستبداد.

يقسّم العلماء حب الرسول، صلى الله عليه وسلم، إلى حب قلبي وحب عقلي، الأول مكانه العاطفة الخالصة التي ربما لا تصل إلى أقصى درجاتها عندما يكون المرء مرهوناً بحبه لذاته، والآخر حب عقلي، يضع فيه المؤمن كل تفاصيل شخصية النبي وتضحياته التي جعلته محل اختيار الرب لتبليغ رسالته، فتتجلى معايير العقل لتضع جانباً أنانية الذات، وتقنعها بأنه لولا هذا النبي الكريم ودعوته المباركة لبقيت في تيه ظلمات الجهل، وعواصف العصبيات الضيقة، ولذلك فهمها الفاروق عمر عندما أعادها عليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثلاث مرات، ثم قال له: «الآن يا عمر». وبناء على ذلك الفهم العميق لمقاصد محبة النبي، تحول العربي المرهون بعصبيته لمحيطه الضيق إلى إنسان صانع للمدنية، وبانٍ للحضارة، وناشر لقيم السلام والتسامح وحرية الاعتقاد، ومناصر للضعيف وعدو للاستبداد.

وكما تم تغييب العقل في معظم تفاصيل حياتنا في هذا الزمن، توارى التفسير العقلي لمحبة النبي في نفوس أكثر المسلمين، وأقحمت العواطف، تجرها مؤثرات من عناصر الجهل والفقر والتهميش والإحباط، وتحركها مكائد الليل والنهار، فتحولت المحبة إلى إساءة في الكثير من الأحيان، وسالت أنهار تلك العواطف الجياشة والمحبة المخلصة لتنتهي في معظم الأحيان إلى فلاة لا خضرة فيها ولا حياة.

لماذا نحب النبي؟ الإجابة عن هذا السؤال هي مفتاح التغيير، لنصنع ما يحبه النبي، عليه الصلاة والسلام، فنعود خير أمة أخرجت للناس.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر