الألقاب لا تُشترى..

أقف طويلاً عند الألقاب التي يختارها بعض أصحاب الحسابات على الـ«فيس بوك».. بعضها متورّم جداً، وبعضها يحمل من الزوائد ما يجعلك تشكّ أصلاً إن كان مدعيها يستحقها فعلاً؛ ومن خلال التجربة والخطأ توصّلت إلى نتيجة مفادها: كلما استطال اللقب أمام الاسم الحقيقي لصاحب الحساب.. قصر وضعف وانكمش الإبداع عنده.. وكلما تضّخم اللقب وترصّع بكلمات التمجيد، كان صاحبه مهمشاً، أقرب إلى النكرة، لا يحظى باعتراف الجموع.

• المحبة الحقيقية والجماهيرية الواقعية لا يمكن أن تعطى عنوة للمتلقي، مثل الإبر الوريدية، هي نعمة من الله تستوجب السجود شكراً، والتفكير ألف مرة كيف سأزداد تواضعاً بعد.. يااااه إلى أين تصل «الشحطات» بالبعض؛ ماذا يرون أنفسهم في مرآة «الأنا» حتى يفعلوا ما يفعلون!

القاص والروائي والشاعر والإعلامي فلان الفلاني، وعندما تدخل إلى حسابه تجد أن آخر قصة قرأها في حياته «ليلى والذئب»، وأن الشعر يعاني من معاملة سيئة في معتقلات نصوصه؛ فأوزانه مكسورة وبحوره ضحلة، وصوره الشعرية مستهلكة ومنسوخة، ومع ذلك يصر على اقتياد هذا اللقب الطويل الذي يسبق اسمه.

قبل أيام صادفني شخص مستدير الوجه، له شارب كثّ وشامة في مكان استراتيجي على خدّه، يرتدي لباساً عربياً مكتملاً، فور سلامه عليّ ومن دون أن أسأله عن اسمه قال لي: أنا فلان الفلاني شيخ مشايخ عشائر كذا.. فعرفت من إدراج اللقب ومن حركاته الخفيفة أنه لم يحظ في حياته حتى بتكويعه قرب الشيخ؛ لأن الشيخ الحقيقي لا يعرف عن نفسه بهذه الصورة، وكذلك الإعلامي والشاعر والفنان والدكتور والمخترع.. باختصار: الممتلئ من الداخل ليس بحاجة إلى مقدّمات توحي بالامتلاء.

تابعت باهتمام شديد، قرار توقيف برنامج الفنانة أحلام، المسمى «ذا كوين»، على تلفزيون دبي، وما تبعه من ردود أفعال، ولا أستطيع أن أخفي سعادتي بقرار الإيقاف لأسباب عدة ـ مهنية وأخلاقية - أهمها ما أوردته في أعلى المقال أن «اللقب لا يشترى»، اللقب ليس قرطاً أو طوقاً ذهبياً يختار من «الفترينة» ويدفع ثمنه نقداً، واللقب لا يحط على الجباه المغرورة والمتكبرة والمتعجرفة والفوقية.. اللقب يطارد المبدعين حقاً، المجدّين فعلاً، الذين يشبهون ملامح معجبيهم وجماهيرهم، من دون أن يسعوا إليه، أما شراء المديح بالكيلو، وصنع الهالة بالشمع والإضاءة المبهرة، فهذا قد ينفع عند بعض المجلات المتخصصة بالمناكفات وبيع الأغلفة لمن يدفع أكثر.

المحبة الحقيقية والجماهيرية الواقعية لا يمكن أن تعطى عنوة للمتلقي مثل الإبر الوريدية، هي نعمة من الله تستوجب السجود شكراً والتفكير ألف مرة كيف سأزداد تواضعاً بعد.. يااااه إلى أين تصل «الشحطات» بالبعض؛ ماذا يرون أنفسهم في مرآة «الأنا» حتى يفعلوا ما يفعلون! من أنا؟ انأ قبضة طين.. مهما علوت أو غلوت أو اشتهرت.. سأعود قبضة طين.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

الأكثر مشاركة