5 دقائق

قصص من غير دم!

د.سعيد المظلوم

«السعادة: صحة جيدة، وذاكرة ضعيفة». إرنست همنغواي

القصة الأولى: سافرت مع صديقي إلى كينيا متطوعاً لمساعدة مجموعة من اللاجئين من دولة زيمبابوي، التقينا بأحدهم، وقد ظهر عليه الضعف والهوان، فقال: لم أتذوق الطعام منذ ثلاثة أيام! فما كان من صديقي إلاّ أن أعطاه ما تبقّى من سندويتشة كان قد أكل نصفها، العجيب أن الفقير أخذها وتقاسمها معه، وقال له: يكفيني جزء منها!

لا أدري لماذا كلُّ هذا الحرص على النشر، هل هو «سبق صحافي» في عالم صغير، أم موضة، أم تلذّذ برؤية الدماء؟

القصة الثانية: اليوم، وللمرة الأولى، يخبرني صديقي عن طفولته، وكيف كانت قاسية، حيث تركه والداه يتيماً ـ ولا يعلم عنهما شيئاً ـ دون مال، دون أمل، لدرجة أنه كان يأكل من القمامة، كان يدرس ويعمل منذ المرحلة المتوسطة حتى الجامعة، اليوم هو ثري بأخلاقه وماله الذي جناه من اجتهاده وذكائه، على الرغم من جراح الطفولة.

القصة الثالثة: التقيت في الثامنة صباحاً بالطبيب الذي أراني نتيجة الأشعة الخاصة بي، والتي تظهر كتلة صلبة (وَرَمَاً) في بطني، بكيت لساعات وأدركت أن حياتي الآن باتت أكثر ثمناً وقيمة من أي وقت مضى، أمضيت ذلك المساء مع أطفالي أبتسم من بين دموعي. وفي الساعة السادسة مساءً اتصل الطبيب مجدداً ليخبرني بنتيجة الخزعة التي تم أخذها مني صباحاً، فإذا هو يبشّرني بأن الورم حميد، واستئصاله سيكون من خلال جراحة بسيطة، ما أجمل أن تمتلك فرصة أخرى!

القصة الرابعة: اليوم قرأت رسالة انتحار كنت قد كتبتها في عام 1993، قبل دقائق من قدوم زوجتي لتخبرني بأنها حامل، ساعتئذٍ أدركت أن لدي شيئاً لأعيش من أجله، ابنتي عمرها اليوم 19 عاماً، وهي طالبة متفوقة في الجامعة، ولها أخوان صغيران، أنا شاكر لأني حصلت على فرصة ثانية في الحياة.

القصة الخامسة: أخي الصغير لديه إعاقة سمعية، وبعد التشخيص تبيّن أنه أصم. إلاّ من سماع بعض النغمات المنخفضة الصوت، فاستخدم تلك القدرة ليتعلم القرع على الطبول. انضم أخي إلى مدرسة موسيقية عن طريق منحة دراسية لتميّز أدائه. أنت ألهمتني المثابرة يا أخي الصغير.

تم اقتباس هذه القصص من موقع رائع هو Makes Me Think الذي يعتمد على الأشخاص الزائرين لسرد مواقفهم الإيجابية، وها أنذا أضع هذه القصص في خضم طوفان من الرسائل الدموية التي تصلنا كل يوم، وأقرب مثال على ذلك مقاطع الفيديو وصور الشهداء نتيجة سقوط الرافعة في الحرم المكي التي اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي، ولا أدري لماذا كلُّ هذا الحرص على النشر، هل هو «سبق صحافي» في عالم صغير، أم موضة، أم تلذّذ برؤية الدماء، أم رغبة في المساعدة؟! لا أعلم حقيقة، ولكن الذي أعلمه أن الذي نشر تلك الصور لم ينمْ سعيداً ذلك اليوم!

أيام عيد، نرجو منهم التوقف عن إرسال رسائل الدم هذه، ويا رب تكون «توبة نصوح» للمستقبل.

كل عام وأنتم بخير

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

madhloom@hotmail.com

Saeed_AlSuwaidi@

تويتر