محمد يونس الثائر على الفقر
مُتحدِّث لبق ومتواضع، سمعته مباشرةً لأول مرة عام 2008 في منتدى بمسقط في سلطنة عمان، أستاذ جامعي يعشق عمله ويؤمن بدور العلم والعمل في الارتقاء بالبشرية، كان يشعر دائماً بأن هناك شيئاً ما عليه أن يقوم به، اقتنع بأن التدريس النظري وحده لا يكفي، وأن النظريات الاقتصادية لا تعني الكثير للساسة الذين أغرقوا في أجنداتهم الشخصية، وكان يؤرقه دائماً مشهد المتسولين الذين يمر بهم في طريقه إلى الجامعة. عندما كان طفلاً تأثر كثيراً بوالدته التي كانت تجزل العطاء للفقراء والمحتاجين ولا ترد سائلاً، استثمر والده في تعليمه هو وإخوته، بعد استقلال بلاده عن باكستان عانت بنغلاديش من مجاعة أودت بحياة ما يقارب المليونين من السكان.
| «البنك المركزي والبنوك التجارية كانت تسخر منه لطرحه فكرة إقراض الفقراء دون ضمانات». |
لم يهدأ بال محمد يونس، فكان دائم التفكير في شعبه وبلاده، وحاول أن يُسخّر علمه في إنقاذ الفقراء، فقد لاحظ أن الكثير من الناس لديهم أفكار بسيطة يمكن أن تدرّ عليهم دخلاً ثابتاً وتوفر لهم حياة كريمة، لكن المشكلة دائماً كانت في الوصول إلى رأس المال لبدء المشروع، فهناك مشروعات بسيطة لا تحتاج إلى أكثر من 30 أو 50 دولاراً، لكن في دولة فقيرة فإن هذا المبلغ يعد ثروة ومن الصعب الوصول إليه، ولم تكن البنوك لتقرض الأهالي الفقراء، فحاول أن يقنع الكثير من البنوك بفكرة القروض البسيطة للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، لكن كعادة البنوك ترمي طوق النجاة للغريق بعد أن يصل للشاطئ، لم تساعد أحداً، وكل ما يهمها كان التأكد من الحصول على الضمانات الكافية متناسية البعد الاجتماعي والإنساني، بل إن البنك المركزي والبنوك التجارية كانت تسخر منه لطرحه فكرة إقراض الفقراء دون ضمانات، واعتبروا أن الفقراء ليسوا أهلاً للإقراض.
ظل محمد يونس يصارع لمدة سبع سنوات إلى أن تأكد من أن أحداً لن يساعده، فاعتمد على نفسه وأقرض أكثر من 40 سيدة مبالغ لا تتعدى 30 دولاراً لشراء الخيزران الذي يستخدم في صناعة الأثاث، ثم قام بتأسيس بنك «جرامين» أو بنك الفقراء، وكان لديه ثقة تامة بأن الفقراء أهل للثقة وقد كانوا بالفعل، ونجح في تأسيس البنك الذي انتشل الملايين من الفقر، ففي عام 2007 أقرض البنك ما يفوق ستة مليارات دولار لثمانية ملايين مقترض، وانتشرت فكرته ونموذجه الاقتصادي المعتمد على المجموعات التضامنية في عشرات الدول، لينال جائزة نوبل للسلام في عام 2006. مرة أخرى، أتذكر مقولة الزعيم مصطفى كامل: «ما استحق أن يُولد من عاش لنفسه فقط».
@Alaa_Garad
Garad@alaagarad.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .