أبواب

«ليسوا مسلمين»

محمد حسن المرزوقي

كلما أطلّ إرهابي برأسه على العالم سارعنا إلى القول بملء أفواهنا «هذا ليس مسلماً!». كلما تناول كاتب تنويري بالنقد فتاوى الكراهية التي يبثها رجال الدين الظلاميون تنصلنا منها ومنهم قائلين: «الإسلام ليس هكذا!». كل مرّة يخرج علينا تنظيم إجرامي بأفكار قذرة نندفع صارخين: «هؤلاء ليسوا مسلمين!».

حسناً يا سادة، الإسلام ليس هكذا فعلاً، الإسلام ليس أسامة بن لادن والزرقاوي والبغدادي وحسن نصر الله، وليس «القاعدة» و«داعش» و«بوكو حرام» و«حزب الله». الإسلام ليس جهيمان العتيبي الذي استباح الحرم، وليس الحمقى الذين أطاحوا ببرجي التجارة في نيويورك، ولا هو مجموعة المعاتيه الذين فجروا مترو الأنفاق في لندن، ولا هو المجانين الذين اغتالوا ضباط أمن في عرعر، كما أنه ليس المجرمين الذين سفكوا دماء الأبرياء في فرنسا انتقاماً لنشر صحيفة رسوماً مسيئة للرسول، وليس كذلك مجموعة المهاجرين المغفلين الذين خرجوا في تظاهرات تطالب بإسقاط دولة «الدنمارك» وإقامة دولة «الدنيء مارك» الإسلامية.

«أجيال من المسلمين تكبر وتبحث عن قدوات فلا تجد أمامها سوى من يقول إن الموسيقى حرام، وإن الفنون بكل أنواعها حرام، وإن تعلم اللغات الأجنبية حرام، وإن غير المسلم كافر لا تجوز تهنئته أو الترحم عليه، وإن العالم الغربي يتآمر علينا ويجب قتاله.. إلخ، حتى أصبحت تحتقر كل مظاهر الحياة وتسعى لصناعة الموت أينما حلت».

حسناً يا سادة، الإسلام ليس كل ما سبق، والمسلمون ليسوا كل من سبق وتسببوا في تشويه صورته، لكن المعضلة أننا لو فرّغنا الإسلام من هؤلاء «وجمهور المتعاطفين معهم سراً وعلانية»، سنجده شبه خالٍ، لأننا انتزعنا منه غصناً «بل أغصاناً» هو في واقع الأمر جزء منه، نما منه وترعرع في تربته. إن كون بعض الأفكار دخيلة علينا لا ينفي حقيقة أن معتنقيها منا!

إن التمترس خلف عبارات على شاكلة «هؤلاء ليسوا منا»، هو تصرف من قبيل دسّ الرؤوس في التراب كما تفعل النعامة! إذا كان هؤلاء ليسوا منّا فعلاً، فمن أين جاؤوا إذاً؟ لأنهم حتماً ليسوا مخلوقات فضائية ألقت بهم مركبة مجهولة من المريخ لتبيد البشرية!

إن الإصرار على اعتبار الإرهابيين والمجرمين والظلاميين «آخرين» في مقابلنا «نحن» المعتدلين، هو نوع من التهرب من المواجهة ستكون نتيجتها أنّنا سنستيقظ يوماً ما من النوم لنكتشف أننّا تحوّلنا إلى أقلية، أو «آخرين»، وأصبح هؤلاء «نحن» وبأغلبية ساحقة!

فلننظر للأمر بطريقة أخرى، هؤلاء ليسوا سوى ورم سرطاني، لكن السرطان لا ينمو خارج الجسم، ولا يلتقطه المرء بالعدوى في «السوبرماركت»، إنه ببساطة ينمو داخل الجسم ويكبر فيه بتواطؤ من عوامل عدة!

لقد قمنا على مدى عقود بتهيئة الظروف لهؤلاء المنحرفين، الذين كانوا قبل انحرافهم منّا، لكي ينحرفوا عن الفطرة الإنسانية، لنكتشف بعد ذلك أن أجيالا من المسلمين تكبر وتبحث عن قدوات فلا تجد أمامها سوى من يقول إن الموسيقى حرام، وإن الفنون بكل أنواعها حرام، وإن تعلم اللغات الأجنبية حرام، وإن غير المسلم كافر لا تجوز تهنئته أو الترحم عليه، وإن العالم الغربي يتآمر علينا ويجب قتاله.. إلخ، حتى أصبحت تحتقر كل مظاهر الحياة وتسعى لصناعة الموت أينما حلت!

فكما أنّ الجسم لا يمكنه التخلص من السرطان بقوله: أنت لست مني، فنحن كذلك لا يمكننا التخلص من هؤلاء المنحرفين بإعلان البراءة منهم فحسب، إن المعركة ضد الإرهاب يجب أن تبدأ أولاً بالاعتراف بأنهم صنيعتنا، ثم نواصل مرحلة تصحيح ما يمكن تصحيحه!

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر