أبواب

دودة كتب!

محمد حسن المرزوقي

العملات المعدنية، الطوابع، البطاقات البريدية، الأحجار الكريمة، «الفولوورز».. وغيرها، أشياء يجمعها الكثيرون كهواية، إلا أن أفضل هواة جمع الأشياء برأيي ــ ربّما لأنّني أنتمي إليهم ــ هم هواة جمع الكتب وتكديسها، أو «ديدان الكتب»، كما يُطلق عليهم!

دودة الكتب هو ببساطة شخص مهوّس بتجميع الكتب، وليس بالضرورة أن يكون شعره منكوشاً كشعر آينشتاين، ويرتدي نظارات طبية بعدسات سميكة ومصاباً برهاب اجتماعي كما تصوّره الأفلام الأميركية، فقد يكون فتاة جميلة تضع في حقيبة يدها ديواناً لمحمود درويش، إلى جانب مشط الشعر وعلبة «الماكياج»، وقد يكون شاباً يجلس في مقهى ويتسلّى بقراءة كتاب لعلي الوردي بانتظار وصول أصدقائه. مع ذلك هنالك بعض الصفات التي تجمع بين ديدان الكتب قاطبة، ويمكن من خلالها معرفة إذا ما كان شخصٌ ما دودة كتب، أو في طور التحوّل إلى دودة كتب!

«إن كانت الطريقة التي تتمنى أن تنتهي بها حياتك هي الموت سحقاً تحت أكوام الكتب كما مات جدك الجاحظ، فأنت دودة كتب ناضجة!».


«هناك دودة كتب تشعر، بعد كل مرة تنفصل فيها عن أحد كتبها لبضعة أيام، بحاجة ملحة إليه، ودودة أخرى تقتني كتاباً لسبب تجهله ولكنّه سيبرهن في المستقبل على ضرورته».

إذا كنت تحكم على شخص تقابله لأول مرة، لا من طريقة ملبسه أو حديثه، بل مما يقرأ من كتب عملاً بالقول المأثور ــ بتصرّف ــ قل لي ماذا تقرأ أقل لك من أنت، فأنت مشروع دودة كتب!

وإن كنت قد خسرت الكثير من أصدقائك لأنك لا تقبل إعارة كتبك فأنت دودة كتب بالفطرة!

وإن كنت تعاني على الدوام ضائقة مالية لأنك لا تستطيع مقاومة شراء كتب جديدة فأنت مشروع دودة كتب ناجحة!

وأخيراً إن كانت الطريقة التي تتمنى أن تنتهي بها حياتك هي الموت سحقاً تحت أكوام الكتب كما مات جدك الجاحظ، فأنت دودة كتب ناضجة!

***

إن أكثر الأسئلة تكراراً واستفزازاً لدودة الكتب، وهو السؤال الوحيد الذي لا يملك ديدان الكتب إجابة نموذجية وموحّدة عليه هو: لماذا تجمع هذا الكمّ الهائل من الكتب التي تعرف تمام المعرفة أنّك لن تجد الوقت لقراءتها، وإن قرأتها فلن تعيد قراءتها مطلقاً؟

لكل دودة كتب أسبابها المختلفة لجمع الكتب، فهناك دودة الكتب التي تشعر، بعد كل مرة تنفصل فيها عن أحد كتبها لبضعة أيام، بحاجة ملحة إليه، ودودة أخرى تقتني كتاباً لسبب تجهله ولكنّه سيبرهن في المستقبل على ضرورته، ودودة تستمتع كثيراً بمنظر الرفوف ذات الكتب المكدسة. أنا شخصيًا أصاب بالأرق إذا ما حدث وأعرت أحد كتبي إلى شخص لامبالٍ، وأظل أتخيّل كتابي ملقى في المقعد الخلفي لسيارة قذرة وعلى أطرافه آثار صلصة طماطم. أمّا دودة الكتب ألبيرتو مانغويل، فيقول إنه يشعر بالمتعة عندما يعثر داخل كتب منسية تقريباً على آثار قراءات تعود إلى سنوات عدة مضت: خربشات على حافة الكتاب، بطاقات سيارات نقل الركاب، قصاصات عليها أسماء تعيده إلى مقهى معين، أو إلى غرفة في أحد الفنادق.

وألبيرتو مانغويل، الذي يملك مكتبة تحوي أكثر من 30 ألف كتاب، هو قارئ وكاتب لا نظير له ــ ربما ــ في المعمورة اليوم، يعيش مع كتبه وحيداً في قرية نائية من قرى فرنسا. مانغويل مدهش بكل مقاييس القراءة العادية بالنسبة لنا كأفراد من قبيلة القراءة، ولكنّه بالنسبة لغيرنا لا يعدو أن يكون سوى دودة كتب أخرى.

وحدها الكتب أعطت مانغويل عذراً مقبولاً لعزلته عن العالم، بل ربما أعطت مغزى لتلك العزلة التي يشترك فيها بدرجات متفاوتة مع ديدان الكتب الأخرى.

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر