أمن الطفولة.. بين اهتمام الراعي وتواكل الرعية

«لا تقلقي يا أم سلطان، ستعيد الدولة الطفل وتضبط الجناة، ألا ترين الشرطة تملأ حيّنا؟!». هكذا طمأن أبوسلطان زوجه المنفعلة بعد أن ضاع صبي في الحي يكبر ابنها بعامين. ضاع.. خُطف.. أو قد يكون هرب بإرادته مع أقرانه في مغامرة صبيانية غير محسوبة العواقب، لم تجد رقيباً يكبحها أو يحتويها.

«قوانين تليها تشريعات، ومبادرات تتبعها خدمات.. هكذا بات همّ حماية أطفالنا مؤرقاً لأجهزة الدولة».

ستجد الشرطة الجناة يا أبا سلطان وستجد الطفل، وسيقيم رجالها في حيّكم كما كانوا يفعلون دائماً، لأن الوطن أمّ، وعين الأم لا تغفل، فلماذا عساها تغفل عينك وعين زوجك؟

قوانين تليها تشريعات، ومبادرات تتبعها خدمات، هكذا بات همّ حماية أطفالنا مؤرقاً لأجهزة الدولة، تخاطب المخاطر بلغاتها المختلفة، وتلجم العوالم الافتراضية التي لا آفاق لها، تعيش مع أطفالنا تفاصيل حياتهم، تنشر رسائلها على صفحات دفاترهم وفي تطبيقات هواتفهم، ترافقهم كظلهم من دون تضييق، تخاف عليهم من فكر فاجر أو نسيم هواء ماكر.

ابنك في المدرسة، ابنك يلعب قرب المنزل، ابنك يتجه بعيداً عن المدينة، قد يكون ابنك في خطر.. هذا ما سيخبرك به تطبيق «حمايتي» الجديد الذي قدمته لك وزارة الداخلية ليكون رفيقاً أميناً لطفلك. جميل أن نصبح قادرين على متابعة تحركات أطفالنا على مدار الساعة بعد أن كان آباؤنا يرسلوننا إلى المدرسة في الصباح مع رعاية الله، وتظل قلوبهم فارغة حتى نعود إليهم في آخر النهار، لا هواتف ولا تطبيقات ولا كاميرات مراقبة. كم هو سخي أن نحظى وأبناؤنا بهذه الرعاية، وأن نجد بين أيدينا كل ما من شأنه أن يحفظ أمنهم، كم هي حنونة هذه الأم التي تبحث في تفاصيل حياة الناشئة لتقدم لهم حماية لا تتعارض مع جنوحهم نحو الحرية والاستقلال.. لكن هل تُغني جودة الأداة عن خبرة الصانع؟

يد التطبيقات والبرامج لا تصفق وحيدة، واهتمام الراعي لا يلغي مسؤولية الرعية، فكلنا راعِ، ولأن خط الحماية الأول هو دوماً الأسهل والأفضل. حماية الطفل تبدأ من المنزل، ومناعة الطفل النفسية سد حصين إذا أحسن بناؤها، ونزع الفتيل دوماً أضمن من إطفاء الحرائق، وقبل أن نراقب أطفالنا لنعلم إن كان الطفل في المدرسة أو يتسكع لدى «البقالية» المجاورة لها، علينا أن نعلمه معنى الخطر، نثقفه بآلية حدوثه، أن نبني فيه حس الالتزام، أن نشعره بحلاوة الصدق، وأن نذكره يوماً بعد يوم بأنه هو أيضاً راعٍ وسيُسأل.

twitter@KhaledAlKamda

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

الأكثر مشاركة