إجراء وقائي

لم نعرف حفلات توقيع الكتب إلا متأخرين، ولا أعرف إن كان ماركيز أو كاواباتا أو زوسكيند (صاحب رواية العطر)، أقاموا حفلات توقيع أم لا، بينما يصدر الكاتب العربي الآن كتابه الأول ويقيم حفل توقيع. يحضر بعض مندوبي الصحف وبعض المصورين، ويحضر أقارب الكاتب وأصدقاؤه بالطبع، وفي النهاية يوقع الكاتب 20 نسخة لبعض الأصدقاء.

صارت دور النشر تستخدم بعض الكتاب المعروفين للترويج لإصداراتها، وأصبح حفل التوقيع فرصة لدار النشر كي تعرّف الجمهور في معارض الكتاب بإصداراتها.

أصبح معروفاً للجميع أن أكبر دور النشر العربية لم تعد تراعي المعايير الثقافية الأساسية، طالما كان هنالك كاتب مستعد لدفع تكاليف كتابه.

حفل التوقيع صار طقساً يرافق معارض الكتب، وصارت دور النشر تستخدم بعض الكتاب المعروفين للترويج لإصداراتها، فبعد أن كان حفل التوقيع فرصة للقارئ كي يلتقي بكاتبه الذي يقرأ ويحب، ويحصل على توقيعه كتذكار ثقافي وحافز لمواصلة القراءة والانخراط أكثر في عالم الثقافة والأدب، أصبح حفل التوقيع فرصة لدار النشر كي تعرّف الجمهور في معارض الكتاب بإصداراتها، وكي تمنحها بعضُ الأسماء شهادة حسن اختيار وعلوّ قيمة.

لا اعتراض لي على هذا الأمر، طالما أصبح الكتاب سلعة تحتاج إلى تسويق، بل ولا بد أن تلجأ دور النشر لكل الوسائل المتاحة والمشروعة لتحقيق هذا الأمر، لما فيه من منفعة للكاتب والكتاب والقارئ، والثقافة بشكل عام، لكن ما لا نتحمس له في هذا السياق هو أن تقوم دور النشر أحياناً بالترويج لمنشوراتها على حساب القيمة، فهي هنا ــ أي دور النشر ــ لا تفرق بين وظيفتها ومكانتها كأحد أركان العملية الثقافية، وبين أي محل تجاري يبيع المواد الاستهلاكية المتوافرة حيثما يذهب المرء. صحيح أن الكتاب سلعة، وصحيح أن دور النشر تحتاج إلى ما يبقيها واقفة على أقدامها، لكن الصحيح أكثر هو أن المجتمعات تحتاج إلى كتب تستحق القراءة والتفاعل، كتب تحمل في طياتها ما يمكن أن يشكل رافعة للوعي البشري، ومحفزاً للإحساس الجمالي، أما أن تقوم دور النشر بتسويق أي كتاب مهما كان محتواه، وبغض الطرف عن قيمته المعرفية، فإن هذا ما سيؤدي دوراً معاكساً للقراءة والكتاب ودور النشر، بمعنى أن هذا الفعل سينضم إلى أفعال الفاسدين واللصوص ومحترفي الكذب في وسائل الإعلام، لتضليل الناس.

نحن ندرك أن لا رقابة على دور النشر، تقرر أو تختار أو تحدد ما ينبغي لها تسويقه وما لا ينبغي، لا قوانين تمنع دور النشر من التصرف حسبما تشاء، وبالطريقة التي تراها مناسبة لتسويق منشوراتها، وهو ما يجعلنا نفكر في وجود هيئات من هذا النوع، هيئات لا تمنع الكتاب ولا تقصيه ولا تحجبه عن القارئ، ولكنها تكون قادرة على اختيار الكتب التي تستحق حفلات التوقيع فقط، هذه الخطوة لا أكثر، وهي تبقي القارئ على اطلاع على كل ما يصدر، لكنها تقفل باباً من أبواب الإيحاء التي غالباً ما تشكل مصائد للقراء البسطاء. أي إننا نريد للقارئ أن يزداد ثقافة، ونريد لدار النشر أن تفكر ملياً قبل الإقدام على نشر الكتاب، خصوصاً بعد أن أصبح معروفاً للجميع أن أكبر دور النشر العربية لم تعد تراعي المعايير الثقافية الأساسية، طالما كان هنالك كاتب مستعد لدفع تكاليف كتابه. إنه مجرد إجراء وقائي بسيط، ربما نضع من خلاله حداً للطوفان اليومي من الكتب التي تنهال على رؤوسنا، وهي في جوهرها لا تساوي أهمية ساق الشجرة التي تم قطعها لصناعة أوراق الكتابة.

 damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

الأكثر مشاركة