أبواب

الفلسطينيون الجدد

محمد حسن المرزوقي

لابدَّ أن أرفع قبعتي احترامًا لجميع الفلسطينيين الذين سقطوا - ولايزالون يسقطون - قتلى في فلسطين، دفاعًا عن وطنهم الذي قدّ من قبل ومن دبر.. ومن كل مكان، لكنّني قبل ذلك يجب أن أنحني إجلالاً لكل أولئك الشجعان الذين فضّلوا الحياة على الموت. صحيح أن المرء يحتاج إلى قدرٍ من الشجاعة ليموت من أجل قضية ما، لكنّه يحتاج في المقابل إلى كثيرٍ من الشجاعة، ليحيا من أجل هذه القضية. فما يستحقّ أن تموت لأجله، يستحقّ أن تحيا لأجله.. فأنت أكثر فاعليةً حيًا منك ميتًا، إنّني لا أحاول هنا التقليل من شأن من ماتوا، لكنني أحاول إعادة الاعتبار إلى من بقوا على قيد الحياة.

***

أدركت إسرائيل - مذ نشأتها - أنها لا تستطيع إبادة الفلسطينيين بالدبابات وحدها، بل بالدبابات وخداع العالم أيضًا، الذي كان يرى الفلسطينيين من خلال الدعاية الإسرائيلية يفخخون أجسادهم وينفجرون في حافلات النقل العام، وفي شوارع تل أبيب المكتظة بالمشاة، وفي الحانات والملاهي الليلية، ويختطفون طائرات الركّاب، ويطلقون القذائف - بطريقة عشوائيّة - على المدن الإسرائيلية الآمنة. وقد أسهمنا نحن كذلك في خداع هذا العالم ودفعناه للوقوف إلى جانب إسرائيل، لأننا كنا نقول له إننا نزمع أن نرمي إسرائيل في البحر!

«صحيح أن المرء يحتاج إلى قَدْرٍ من الشجاعة ليموت من أجل قضية ما، لكنّه يحتاج في المقابل إلى كثيرٍ من الشجاعة، ليحيا من أجل هذه القضية».


«أسهمنا نحن كذلك في خداع هذا العالم، ودفعناه للوقوف إلى جانب إسرائيل، لأننا كنا نقول له إننا نزمع أن نرمي إسرائيل في البحر!».

نجحت إسرائيل في استغلال حماقات الفلسطينيين هذه لمصلحتها، فاستطاعت أن تزرع في لا وعي العالم، بمثقفيه وعلمائه وفلاسفته، أنها ضحية بريئة للعنف والإرهاب الفلسطينيين، من دون أي ردٍ أو دفاعٍ مهما كان ضئيلاً أو فاترًا من العرب في المقابل.

***

يذكر إدوارد سعيد في مقال له بعنوان «سارتر والعرب.. ملاحظة هامشية»، أنه التقى ميشال فوكو، أثناء زيارته إلى باريس عام 1979 لحضور ندوة دعاه إليها سارتر، وقد لاحظ سعيد أثناء اللقاء أن فوكو يتجنب الخوض في أي حديث معه حول سياسات الشرق الأوسط! ولم يعرف سعيد سبب ذلك إلا بعد مرور عقدٍ على موت فوكو في 1984، حيث أخبره الفيلسوف الراحل جيل دولوز أن فوكو كان صديقه الحميم، لكن صداقتهما انتهت بسبب قضية فلسطين، إذ كان دولوز يؤيد الفلسطينيين، في حين أن فوكو كان مؤيدًا لإسرائيل، فلا عجب أنه لم يرد النقاش حول الشرق الأوسط مع فلسطيني كإدوارد سعيد.

غير أن خيبة أمل إدوارد سعيد في سارتر كانت أكبر، إذ أبدى هذا الفيلسوف الوجودي تأييدًا عميقًا، لم يتخلّ عنه حتّى وفاته، لإسرائيل والصّهيونيّة.. خوفًا من تهمة العداء للسامية ربّما!

لكن يبدو جليًا أن الفلسطينيين الجدد أكثر ذكاءً وواقعية في التعامل مع إسرائيل من أسلافهم، فقد أدركوا أن كلمة «المقاومة» لا تعني السلاح فقط، بل تعني إلى جانب ذلك أشياء كثيرة، منها: العلم والأدب والسياسة.. والدعاية المضادة!

فها هو اليوم عالم الفيزياء البريطاني ستيفن هوكينغ، أشهر علماء الفيزياء وأكثرهم عبقرية منذ آينشتاين، يعلن مقاطعته لمؤتمر كبير سيقام في إسرائيل في يونيو المقبل، بسبب تحفظه على سياساتها، ورغم أن اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا حاول أن يحفظ ما تبقى من ماء وجه إسرائيل، ويدعي أن هوكينغ اعتذر عن المشاركة لأسباب صحية بحتة، إلا أن هوكينغ عاد وأكد أنه تلقى رسائل من مئات البريطانيين وزملائه الفلسطينيين لإثنائه عن المشاركة في هذا المؤتمر، ما أقنعه في النهاية بعدم الحضور!

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر