أبواب

كيف تعالج متطرفاً «١»

محمد حسن المرزوقي

كنت دائماً ما أتساءل: كيف يمكن لليهود، وقد كانوا بالأمس فقط قاب قوسين أو أدنى من الانقراض، أن يتصرفوا بهذه البربرية والهمجية اليوم؟!

ويبدو أن هذا التساؤل ألحّ على كثيرين من اليهود أنفسهم، وأحد هؤلاء هو الأديب الإسرائيلي الشهير آموس عوز، المعروف بمواقفه «المعتدلة» في المجال السياسي. في كتابه الصادر أخيراً «كيف تعالج متطرفاً»، يسلط عوز أضواء كاشفة على هذه الهواجس بهدف تبديدها أو ربما تبريرها!

«رغم أنها تسوية مؤلمة فإن الطلاق لو تمعّنا فيه جيداً، سنكتشف أنه شيء سارٌّ، ولا أعتقد أن الفلسطينيين اليوم في موقع يتيح لهم رفضه بعد أن رفضوه مراراً وتكراراً سابقاً».


«عوز لا يوضح، أو يتعمد عدم توضيح بعض الأمور العالقة، مثل: من الذي سيحصل على غرفة النوم الكبيرة في هذه الشقة؟ ومن سيكون له حق استخدام غرفة المعيشة واستقبال الضيوف فيها؟ وماذا عن المطبخ؟».

في الفصل الأول من الكتاب يطرح عوز آراءه السياسية حول الصراع الإسرائيلي ــ الفلسطيني، ويقترح حلولاً لإنهاء هذا الصراع، فيبدأ بتأكيد أن الفلسطينيين لا يعرفون وطنًا غير فلسطين، وفي المقابل، لا يملك اليهود وطناً سوى إسرائيل. ويورد هنا قصة رواها له والده قبل هجرتهم من بولندا إلى أرض فلسطين، توضح ازدواجية الغرب في التعامل مع قضية اليهود، فيقول: «كنا نقرأ على جدران المدن الغربية (اخرجوا إلى فلسطين)، واليوم صرنا نقرأ على جدران هذه المدن نفسها (اخرجوا من فلسطين)، فليقولوا لنا إلى أين؟ أرشدونا بقوة القتل والقهر إلى فلسطين، والآن يريدون منا أن نخرج من هنا».

إذاً، هذا الأديب اليساري والمعتدل، يؤكد بشكلٍ قاطع أن إسرائيل ليست كابوساً ــ كما يتخيلها العرب ــ سيتلاشى إن دعكنا أعيننا جيداً، ويقترح ــ بناءً على ذلك ــ طلاقاً بين إسرائيل وفلسطين (وهو ما يعرف سياسياً بحل الدولتين)، كحلٍّ أوحد ووحيد للصراع الإسرائيلي ــ الفلسطيني. ولكنه طلاق مفجع لا يؤدي إلى انفصال الطرفين، بل يحتم عليهما البقاء في شقة واحدة، أي هو ــ بمعنى آخر ــ طلاق من دون أن يترك أحدهما الآخر، ولأن الشقة صغيرة جداً، يجب توزيع الغرف على المقيمين بشكل قد لا يكون عادلاً لجميع الأطراف!

إن حل الطلاق الذي يفترضه عوز ليس حلاً بقدر ما هو أمنية، فالطلاق هذا سيكون ساراً إذا فرّق بين المتخاصمين، وقال لهم بعد ذلك: فليذهب كل منكما ــ بمفرده ــ إلى الجحيم، ولكن عوز يريد أن يخلق جحيماً يشترك في الإقامة فيه الفلسطينيون واليهود معاً!

ورغم أنها تسوية مؤلمة، فإن الطلاق لو تمعنا فيه جيداً، سنكتشف أنه شيء سارّ، ولا أعتقد أن الفلسطينيين اليوم في موقع يتيح لهم رفضه بعد أن رفضوه مراراً وتكراراً سابقاً، فخسروا «كل شيء» مقابل استعادة «شيء» من أراضيهم المسلوبة. ولكن عوز لا يوضح، أو يتعمد عدم توضيح بعض الأمور العالقة، مثل: من الذي سيحصل على غرفة النوم الكبيرة في هذه الشقة؟ ومن سيكون له حق استخدام غرفة المعيشة واستقبال الضيوف فيها؟ وماذا عن المطبخ؟ ثم حتى لو افترضنا أن حل الطلاق الذي يقترحه عوز ممكن وواقعي، فسنكتشف بعد لحظات أنه يزيده تعقيداً!

فهو يدعو إلى تخلي إسرائيل عن جزء من أراضيها مقابل أن تتخلى فلسطين عن معظم أراضيها، وترضى بوطن قصير القامة، يعرج أحياناً، ويمشي على عكاز!

ثم يؤكد عوز ــ حتى لا يبدو رومانسياً ساذجاً ــ أن الحل المقترح لا يفترض أن يحب الفلسطيني الإسرائيلي أو العكس، ويبرر ذلك بأن الفلسطينيين والإسرائيليين رغم اختلافهم في اللغة والدين، فإنهم يشتركون في ملكية هذه الأرض، فليعملوا على تجاوز ما يختلفون فيه مقابل ما يشتركون فيه!

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر