5 دقائق

الخدمة الذاتية

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

يتفنن ولاة أمرنا - حفظهم الله تعالى - في نفع الشعب وإفادته، وتوفير حمايته وأمنه وسعادته، فمِن أمنٍ ضارب الأطناب إلى رغد في العيش وسعادة في النفس وتعليم راقٍ وطب متقدم، إلى إتاحة الفرصة لشباب وشابات الوطن للالتحاق بالخدمة العسكرية، التي هي في الحقيقة خدمة ذاتية، ومهارة إسلامية، وهوية إنسانية، وحماية وطنية، هذه الخدمة التي حثّ عليها النبي، صلى الله عليه وسلم، عموم المسلمين، فقد مر على نفر من أَسلَم ينتضلون - يرمون بالسهام - فقال «ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان رامياً، ارموا وأنا مع بني فلان...»، وحثّ عليها أمير المؤمنين عمر، رضي الله تعالى عنه، بقوله: «علموا أولادكم السباحة والرمي والفروسية».

«الخدمة الذاتية مبتغَى الشباب والشابات، إن وجدوا من يشجعهم، كما في هذا التوجه الإلزامي المشكور، الذي سيكون له الأثر الإيجابي في سلوكهم».

وقد كان صغار الصحابة يتنافسون في ذلك، كما كان من ابن عمر، رضي الله عنهما، فقد قال: «عُرضت على النبي، صلى الله عليه وسلم، يوم أُحد وأنا ابن أربع عشرة سنة، ولم أحتلم فلم يقبلني، ثم عُرضت عليه يوم الخندق، وأنا ابن خمس عشرة سنة فقبلني».

وهي المهارة التي كان المسلمون يتقنونها فطرياً من بيئتهم، فاستطاعوا حماية الثغور، وفتح البلدان، ونشر الإسلام، وما أُدِيل على المسلمين إلا حينما ترك مجموعهم هذه المهارات، ووكلوها إلى أفراد وعدد محدود.

الخدمة الذاتية مبتغَى الشباب والشابات، إن وجدوا من يشجعهم، كما في هذا التوجه الإلزامي المشكور الذي سيكون له الأثر الإيجابي في سلوكهم، فهي تحفظ أوقاتهم من البطالة، وتنمي ملكاتهم المختلفة لتنوع التخصاصات فيها، وقدراتهم الشبابية، كما أنها تصونهم من الانحراف، وتبعث فيهم الحسّ الوطني، والانتماء الصادق لترابه وولاة أمره وشعبه، بل إنها توجههم التوجيه السليم للاستمرار في هذا السلك النافع، الذي يكون الدرع الحامية، ناهيك عن أنه يقضي على البطالة التي قد توجد يوماً ما.

وإذا كان الدخول في هذا الميدان في كثير من البلدان شاقاً لما يكتنفه من محسوبيات وإتاوات، فإنه في بلدنا، ولله الحمد، يقدم لكل أبناء وبنات الوطن على طبق من ذهب، ليتناوله الناس على السواء.

إن الإعداد النفسي والمادي للذود عن حياض الوطن ونظامه من أولويات كل مواطن، للوطن عليه ذمة الوفاء والولاء، بل غير المواطن كذلك ممن يشاركنا العيش الهنيء، والأمن الوفي، والعدل الرضي، وليس معنا، بحمد الله، من لا يحمل همّ الوطن حفاظاً عليه وحباً له ووفاء لنظامه الراسخ القوي الوفي، ولا نظر للندرة التي قد لا تحمل شيئاً أو بعضاً من ذلك، فإن النادر لا حكم له، كما تقول القاعدة الفقهية.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

 

تويتر