حديث مع النفس

يحتاج الواحد منا إلى جلسة مصارحة ومحاسبة للنفس من وقت لآخر، فمع كثرة المشاغل في حياتنا أصبح الواحد منا يبتعد عن نفسه ويقل تفكيره فيها بشكل واضح، بل قد لا يجد وقتاً للنظر في حاله وقلبه، والنفس إن أهملت سرت إليها الأمراض التي قد تكون أشد فتكاً بالإنسان من الأمراض المحسوسة المشاهدة، ولو فكر الإنسان في نفسه كيف كانت قبل سنوات وكيف هي الآن لوجد اختلافاً كبيراً جداً بين الأمس واليوم، فيستحيل أن تكون نفس الإنسان وهو في عمر العشرين كنفسه وهو في عمر الخمسين، لكن الموفق من راجع نفسه وحاسبها وقوّمها وهذبها، فإما أن يحرز تقدماً في تهذيب النفس وإصلاحها وإما أن يكون الأمر على العكس من ذلك، وأنا على يقين من أن الصادق مع نفسه سيشعر بتقصيره الواضح، وسيرى أن في نفسه خللاً لا بد له أن يقومه، فمن الذي يسلم من الخلل والزلل؟

قد نظن في بعض الأحيان أن نفوسنا لا نقص فيها، فإذا سمعنا شيئاً من الآيات أو الأحاديث التي تحذر من الكبر نتذكر فلاناً وفلانة ممن نتصور أنهم وقعوا في التكبر والاستعلاء على الخلق! وإذا مرت علينا المواعظ المحذرة من الغيبة والنميمة وآفات اللسان تصورنا أننا في عافية عظيمة من هذه المعاصي، وتذكرنا بعض من ابتلي بها! وهذا - رعاكم الله - ليس بصحيح، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الصحابة الكرام رضي الله عنهم بأركان الإسلام وهم من هم في الصلاح والعبادة والإقبال على الله، لأن «الذكرى تنفع المؤمنين»، وكان الصحابة الكرام مع شدة صلاحهم إذا سمعوا شيئاً من هذا الخطاب النبوي وجهوا اللوم لأنفسهم وبكوا وتأثروا، لأنهم يعلمون أن الإنسان مهما كان صالحاً تقياً فهو يحتاج إلى هداية فوق الهداية التي هو عليها.

إن الحريص على تهذيب نفسه يذكرها دائماً بما يسمعه من الآيات والنصوص والحكم والمواعظ الجميلة، فهو يستثمر خطبة الجمعة أو سماع حديث إذاعي أو أي مجلس نافع أو قراءة كتاب مفيد لتهذيب نفسه وتصحيح أخطائها، فلا تحتقر شأن كلمة تسمعها من طفل صغير أو عامل أو خادم أو زوجة، فرب كلمة يغير الله بها شيئاً كثيراً من زلات النفس، وأذكر مرة أنني ألقيت دورة من فترتين بينهما استراحة قصيرة، فجاءني أحد الحضور في الاستراحة وقال لي: لم أستفد من الدورة شيئاً، فأسلوب إلقائك ليس بجيد فيها، لا أخفيكم أنني تأثرت بكلامه وأسلوبه المباشر معي، لكني بعد أن تأملت كلامه وجدت أن فيه شيئاً كبيراً من الحق والصواب، فحتى لو جاءت النصيحة بأسلوب سيئ فقف مع فكرتها وتأمل فيها، فلعلها تغيّر في النفس الشيء الكثير.*

مدير مشروع مكتوم لتحفيظ القرآن الكريم بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي

@alkamali11

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة