شاعر على معبر رفح
لم يتمكن الشاعر الفلسطيني ناصر رباح، ابن مدينة غزة، من الوصول إلى فرنسا في الوقت المحدد، للمشاركة في مهرجان الشعر المتوسطي في مدينة سيت. تأخر الشاعر عن الوصول، وهناك برنامج معد مسبقاً للقراءات، لكن الشاعر الفلسطيني أيمن اغبارية القادم من مدينة حيفا بادر في قراءة قصائد رباح العالق على معبر رفح.
يبدو أن «لعنة المعبر» ستبقى تطارد الفلسطيني الذي هو في الأصل مطارد ومحاصر من الاحتلال الإسرائيلي، كما أن ابداعه، خصوصا في غزة، محاصر من سلطة دينية، لا تتوقف عن التضييق على المبدعين في مختلف المجالات.
ماذا فعل ناصر رباح، وكيف وصل إلى مهرجان سيت، وإن كان قد تأخر أربعة أيام؟ روى الشاعر معاناته فور وصوله إلى المهرجان، وكان كما يريد أن يؤكد لنفسه أولا أنه بالفعل عبر المعبر ووصل الى مدينة سيت التي أقيم فيها مهرجان «أصوات حية» في الفترة من 19 حتى 27 يوليو الماضي، بمشاركة 107 شعراء من العالم. كان الشاعر يروي كما يروي لنفسه حكايته مع «لعنة المعبر»، وكان لا يكل عن تكرار الحكاية لشاعر آخر عربي أو من اسبانيا أو من كولومبيا أو من فرنسا. يروي ليقول إنني بينكم الآن، وسأقرأ قصائد لي في هذا المهرجان الشعري الأكبر في أوروبا. الشاعر الذي يجمع في اسمه الأول والأخير معاني النصر والربح، بالفعل تمكن من تجاوز محنة العبور. وكان قد قال إنه كلما ذهب إلى المعبر ووجده مغلقاً، زادت رغبته في هجر الشعر، «المعبر مغلق، شيء كهذا يجعلني أفكر في اعتزال الكتابة نهائياً»، هذه الجملة كتبها على صفحته في «فيس بوك»، لكنني أكاد أجزم انه كتبها في لحظة احباط «حدودي»، سرعان ما تجاوزها حين انطلق صوته في أول مشاركة له في المهرجان. روى رباح الذي تلقى دعوة المشاركة من إدارة المهرجان قبل نحو أربعة أشهر، أنه وبعد حصوله على تأشيرة لدخول الأراضي الفرنسية، ذهب من غزة إلى معبر رفح، آملا أن يعبره بعد انتظار، لكن المعبر كان مغلقاً، ولا يسمح بعبوره سوى للحالات المرضية الصعبة، لكن الشاعر انتظر طويلا، من دون «اختراق» المعبر، إذ انه خرج من بيته في الساعة السادسة صباحاً، مودعاً أفراد عائلته، وموصياً إياهم بالاعتناء بأنفسهم. وفي المساء عاد رباح ليطرق باب بيته، لتفاجأ العائلة بعودته مهموماً ومتعباً يجر حقيبة سفره. لكن الأمل ظل يراوده، رغم مشقة اليوم الأول.
وفي صبيحة اليوم الثاني، جر حقيبته وودع أهله، وخرج السادسة صباحاً باتجاه المعبر، فوجده مغلقاً أيضاً، وظل يحاول من دون جدوى ليكرر العودة إلى بيته. وفي اليوم الثالث خرج صباحاً، ولكن هذه المرة تكللت بالنجاح، بعد انتظار طويل وشاق، لكن فرحة الخروج أنست رباح معاناته التي تواصلت ثلاثة أيام. واصل الشاعر رواية حكايته مع معبر رفح، إذ وصل القاهرة مبتهجاً، لكن لم تكتمل الفرحة بسهولة، إذ تبين أن الطائرة اقلعت، وكان عليه أن يدفع ثمن تذكرة جديدة وفق شركة الطيران، لكن بعد مماطلة دفع جزءاً منها، لتنفرج حكايته ويصل إلى مهرجان سيت الشعري.
رباح قال إن الفلسطيني قد يلجأ إلى شهادة طبية مزورة تفيد بأنه مصاب بسرطان العظام، مثلاً، من أجل الخلاص من «لعنة المعبر».
اختتم المهرجان، وعاد المشاركون إلى بلدانهم، لكن ناصر رباح لايزال في مدينة سيت ينتظر تأشيرة لدخول مصر في طريق عودته إلى مخيمه في غزة.
alialameri@gmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .