‬5 دقائق

يا قوم!

سامي الخليفي

بتلوموني ليه! فأي كاتب لابد أن يعاني حتى يظهر عليه الإعياء أو عيوب التصنيع، ولأن الإعلام لا يريد مني الاقتراب من ثلاثة أشياء، أولها السياسة وآخرها الدين، والقارئ لا يرغب في أن أكتب عن ثلاثة، أولها ناديه المفضل وثانيها مطربه المفضل والثالثة نسيتها، لهذا لا مجال لدي سوى الكتابة ع أوراق الشجر سافر حبيبي وهجر!

وأبي أكبر مني بيوم وأعلم مني بسنة، وكانت أمنيته يشتغل قرصان، لكن نصحته أمي بأن يؤجل عمل اليوم إلى الغد ويشتغل تاجراً، لهذا حرص قبل دخوله التجارة على إخفاء حذائه لكي يبدأ مشوار الألف ميل حافياً خطوة بخطوة، ومن أول خطوتين أصيب بانتكاسة أجبرته على دخول غرفة العمليات، وبدلاً من أن نبكي على الأطلال صرنا نبكي على الموبايل الذي نسيه الطبيب في بطنه مع فوطة ومقص، ولأن المعنى في بطن الشاعر، والفوطة في بطن الوالد، قررنا الابتعاد عن رفع قضية في المحكمة حتى لا نضيع بين أحكام القضاء وتصاريف القدر، واتجهنا إلى «فيفا» لأنه أسرع في الرد، وهذا لعمري ما لا يقبله عقل أو منطق أو حتى قناة ناشيونال جيوجرافيك، وبعد العملية، ومع شح الأدلة، قال الوالد قولته الشهيرة «الأمور طيبة»، فذهبت مثلاً وذهب هو من بعدها.

وكل الأحبة اثنين اثنين وأنت يا قلبي حبيبك فين! وجيراني يعرفون أنني كاتب ويحلو لهم أن يصفوني بالفاشل، وفي البيت كلما تكلمت مع زوجتي يظهر أخوها المتشدد صارخاً «ياخي اعتبرها أختك، ترضى حد يكلمها»، وهذا الأسبوع ظهرت نتائج الثانوية العامة، ومع وجود فضول إنساني غريزي دهشت من حصول البعض على معدل ‬99٪، كأنها نتيجة انتخابات نزيهة حرة لا تأكل بثدييها في أي بلد عربي ديمقراطي.

ولأن الثانوية العامة تعتبر أسوأ من كابوس ناتج عن عشاء ثقيل، إلا أن النتائج الباهرة أثبتت أن الامتحانات سهلة، فمبدأ الشك للفيلسوف الشهير ديكارت يجبرني على القول إنه لو اجتمع في الأزمنة السحيقة (يعني في السبعينات) نيوتن وأرشميدس واينشتاين والديزل والخوارزمي وجابر بن حيان وغيرهم لخوض امتحان مادة الرياضيات، لرسبوا حتى في الدور الثاني، ولظهر لهم المذيع ليفجعهم «مدرسة النجاح الثانوية، لم ينجح أحد»، فالرياضيات على أيامنا كانت ثلاثة أجزاء، وكان كل جزء يتكون من ‬300 صفحة، وإمعاناً في الذل كان الامتحان يأتي من الغلاف إلى لغلاف، متضمناً الفهرس وأسماء المؤلفين، وكان حصول طالب على معدل فوق الثمانين سرعان ما يجعله نجماً، حين كان النجوم لاعبي الكرة فقط.

وغداً تشرق شمس يوم جديد، وخذ مني بعض النصائح المهدرة «ابعد عن الشاي لأنه ينشف الدم، وخذلك تفاحة في اليوم مش منفوخة بالكيماوي تغنيك عن طبيب مشكوك في مؤهلاته، ونام بعد الأكل مباشرة».

والناجح يرفع ايده.. هييه!

samy_alain@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر