‬5 دقائق

حلم صيف

سامي الخليفي

حبيتك بالصيف.. فمن مزايا المناطق الحارة أن يستوي العنب، وينعدم الظل، وتتعامد الشمس على أبراج الاتصالات، وتبدأ الامتحانات وينجح الجميع ويتفوق الكل، وتخف التصريحات وتظهر التنزيلات لكي تبدأ الهجرة الجماعية للمطارات، حينها فقط أذهب للتمدد على رمال الشاطئ الذهبية وأمارس هوايتي في التفكير فيك.

ولا أدري هل صيفنا يغلي ولا مميز، و«زويل» عنده نوبل و«خالي» عنده توفل وعامل ريجيم، فهو يفطر على حبة بندول ويتعشى بمحلول الجفاف، وفي كل صيف يدخل صالة المنزل ويرقد على فراش الموت ليوصيني «ابعدوا عموري عن الإعلام وامنحوا الكُتّاب الشباب ربع التشجيع اللي منحتوه للمطربين وثلث الدعم اللي أعطيتوه المنتخب» ويغمض عينيه ويموت، ثم يتذكر شيئاً فيعود ويكمل «افرشوا الأرض وروداً ولا تفرشوها دموعاً، واهتموا بالصناعة، فالتقدم لا يولد في الملاعب بل في المصانع»، ثم يرجع ويموت طبقاً لأعلى معايير الجودة، وهكذا يظل خالي ينشط أحياناً مثيراً للغبار والأتربة ثم يموت مثيراً للشفقة، فيهمس ابنه مثيراً للجدل: هو ما قال حاط الورث وين؟!

وقبل سنة غافلنا ومات، فسارت في جنازته قطط الشوارع، وأهال أبناؤه عليه الإسمنت، وأخفوا قبره خشية أن تخطف جثته البنوك، ورثاه أربعة وثمانون شاعراً محتاجاً، وأقاموا خيمة للعزاء فوق السطوح حتى لا تكون منطقة جذب سياحي، ونشرت له التعازي في أعز الأمكنة على صدر صفحات الجرائد متبوعة بالجملة الشهيرة «قضاها بأعمال البر والتقوى»، ثم فتحوا وصيته وسط حضور جماهيري كبير فوجدوها كالحلول الدبلوماسية لا غالب ولا مغلوب.

ولأن بعض الأموات يفضل التنزه في أحلام الآخرين، زارني خالي البارحة، وبعد أن تعرف عليه كلب العائلة جريت باتجاهه مثل فاتن حمامة حين راحت تجري لشادية وهي تبكي من الفرحة وتصرخ «الأسهم ارتفعت، الأسهم ارتفعت»، فوجدته حسن الهيئة، أشيب الشعر، معاه موبايل غالاكسي، فصافحني مصافحة المصارع للمصارع وسأل عن أحوالنا، فجاوبته بأن الحرامية دخلوا البيت البارحة وشالوا الخزنة، بس الحمد لله المفتاح معاي، ثم طمأنته بأن عندي «غروب» على «فيس بوك» وميليشيا على «تويتر»، فضحك حتى بانت أسنانه المخلوعة، ثم سأل عن أحوالنا مع البنوك فأجبته بأن الغنائم وزعت وانفض المولد، وسرق من سرق وسيق المعسرون إلى «الوثبة بالاس» على أمل قدوم رمضان مع العفو العام، ثم سأل عن أبنائي، فبشرته بأن الكبير عليه سلفية، والثاني عليه سلفية، وأنا علي سلفية، فحوقل وبصق في وجهي فحسبته صابوناً فغسلت به وجهي.

وبعد أن هددت بنشر صورته عارياً على «فيس بوك»، سألته بنية سليمة عن رأيه في تقرير حقوق الإنسان، فقال في أدب مصطنع: يا ولدي أنت نسيت أني ميت؟! فتأكدت بأن الموت فيه شفاء من جميع الأمراض، وطلبت له قرص «بيتزا سمول» بأطراف محشوة بالجبنة.

samy_alain@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر