‬5 دقائق

دندنة

سامي الخليفي

أنا قلبي ليك ميال، ومفيش غيرك ع البال، واليوم الثلاثاء، أما الخميس المقبل فإجازة الإسراء والمعراج، أعادها الله عليك باليمن والبركات، فدعنا نتأمل الشفق الحزين ونهيم معاً في وادي الأحلام كلما أطل البدر من بين الغمام، وكقيمة مضافة كما يسميها الاقتصاديون وللضرورة الدرامية للمشهد يطيب لي أن أهنئ سكان مدينة العين الخضراء بمناسبة صبغ الأرصفة باللونين الأزرق والرصاصي (ليس ترقباً لعودة أفلاطون)، وهذا دليل على قرب انتهاء عصر البلاش ودخول مواقف السيارات فصل الرسوم المولعة بالعواطف المتأججة، والناس معادن ومواقف، والمواقف الحرجة لها رجالها، والمواقف المدفوعة لها دراهمها، وياما ناس بشنبات بكوا من المخالفات.

وصديقي الديزل نشأ في بيت علم وأدب، فتعلم من الرادار آداب الطريق، ومن الفواتير حقوق الغير، ومن الرصيف الساطور أبوطير، ثم أصيب فجأة بالمعايير مع «سي دي» مجاني، وظهرت عليه نقاط سوداء وعيب خلقي ظهر بكفه، وصفه دكتور لا أثق بشهادته بأنه متلازمة «بلاك بيري»، لهذا تجده مع مجانية التعليم، ومجانية التجوال، ومجانية الألعاب، وضد مجانية «الباركنات»، فهي أشياء رجعية لا تليق بالعولمة وآليات السوق وروح العصر والجات والثعلب فات فات.

ومن صبر نال العلا، ومن تأنى نال ما تمنى، أما من عاصر حقبة «البوم»، أو زمن «قبلان»، فسيعرف بعد رحيل العمر أنه كان يطارد خيط دخان، ومن لم يلحق بالعصر الذهبي للأسهم فعنده فرصه للاتصال بصديق أو اللحاق بالعصر الذهبي للساطور، والحقني وخذ بوسة، فقد مرت السنين وتغيرت الأحوال وكبر الأولاد وتبدلت أنواع الألعاب، وامتلأت الأرصفة بكائنات تشع عدوانية تحمل أسلحة بيضاء وقفازات ملونة وأقنعة وسيوفاً وسكاكين وسواطير، وبما أن فيلم «المرأة والساطور» يختلف بمضمونه عن فيلم «عنتر شايل سيفه»، فإن عنواني الفيلمين يوحيان بأن المشاهد يقف على باب مقصب، أو على رصيف.

«باقي مائتي كلمة على نهاية المقال»، وطبعاً ما تجيش المصايب إلا من الحبايب، فوسط تجمهر أعداد غفيرة من المواطنين والمقيمين والمخالفين قضيت البارحة رحلة طويلة حافلة بالآثام في البحث عن درهم معدني للوقوف في «الباركنج»، وبعد أن أسعفني أحدهم من باب نجدة الملهوف ونصرة المظلوم، صرخت زوجتي «إبك كالنساء (باركنج) لم تستطع أن تحافظ عليه كالرجال»، فبكيت ومسحت بأطراف البنان مدامعي فصارت خضاباً في يدي كما ترى، وقمت بالاعتذار لها على طريقة نادي الوصل مع النصر السعودي، ولضيق الوقت ومساحة الباركنج طلعت من السقف، وطلعت هي من الصندوق الخلفي.

وشافوني قالوا متهني من كثر الفرح بيغني، فخذها حكمة «لا يذوب السمك في الماء، بل يعيش القرش في البحر، والهامور على اليابسة»، واليوم تحولت الشوارع إلى وجبة دسمة للرادارات والباركنات إلى وليمة جماعية للبلديات، فارحموا عزيز قوم مل، فالناس مقامات، «وحد عنده وحد ما عنده»!

samy_alain@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر