الاتجاه الخامس
«الانتخابات 2».. أصوات الوهم
حين يأتينا الحلم بأصوات وألوان جميلة نسميه «حلماً وردياً»، وحين يأتينا الحلم بمشاهد رعب وعواصف مخيفة نسميه «كابوساً»، لكن أسوأ الأحلام هي أحلام اليقظة التي تبني في الخيال أوهاماً، وتبني قصوراً من رمال لا تقوى على نسمة هواء فتهوي وتسقط، وهكذا صنع لنا ومعنا يوسف السركال حين رشح نفسه لرئاسة الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، وكان كلما سئل ما موقفك في الانتخابات؟ قال «سأفوز»، وما عدد الأصوات التي في يدك؟ قال «كثيييير!»، حتى حين اجتمعت به لجنته الانتخابية وحملته، وسئل عن موقفه قال لهم: «اطمئنوا، النجاح مضمون والفوز مأمون!»، فهدأت اللجنة واطمأنت ولم تعقب، فكانت رحلتها الى ماليزيا رحلة استجمام، وحين صحت فجر ذاك اليوم وجدت أمامها خمسة من الأصوات، واكتشفت اللجنة واكتشفنا جميعاً ان الأصوات التي كانت في جيب السركال أصوات الوهم الذي عاشه وعشنا فيه معه، ولا يقل لي أحدكم إننا نقسو بهذا الرأي عليه، فهذه هي الحقيقة التي جعلتنا نشعر بالخجل ليس بسبب السقوط، ولكن بسبب الأصوات الهزيلة التي حصل عليها، وبسبب الانتصار الكاسح الذي حققه الشيخ سلمان بن إبراهيم آل خليفة رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم.
يبقى السؤال المعلق في عقول الكثيرين منا وهو: ما الاتحادات الخمسة التي غامرت ومنحت صوتها لرئيس الاتحاد الإماراتي لكرة القدم؟ ما الاتحادات الخمسة التي رأت ان مصلحتها ستكون مع نجاح السركال، وأن برنامجه الانتخابي - الذي لم يره أحد - هو البرنامج الافضل والامثل لها؟ بالطبع لن أغامر وأقول لكم إنه بعد حسابات الكتل والأصوات ومن مع سلمان ومن مع التايلاندي ووراوي ماكودي، يكون التوقع الأبرز أن من أعطى صوته للسركال هي اتحادات لبنان وقطر واليمن وإيران وأوزبكستان.
ومن عنده اعتراض من هذه الاتحادات على هذا التوقع فليرسله لنا لنبحث عن صوت تائه هنا أو هناك، لأنه بحسب تصريحات كثيرة من هنا وهناك فإن الاتحادات التي أعطت صوتها للشيخ سلمان بن إبراهيم، هي: البحرين والعراق والأردن والكويت (طبعاً)، وسلطنة عمان وفلسطين والسعودية وسورية وأفغانستان وبنغلادش وبوتان والهند وقرغيزستان والمالديف ونيبال وباكستان وسريلانكا وطاجيكستان وتركمانستان وأستراليا وبروناي وتيمور الشرقية وميانمار وفيتنام والصين وتايوان وكوريا الشمالية وغوام وهونغ كونغ واليابان وكوريا الجنوبية وماكاو ومنغوليا، فيما أعطت اتحادات كمبوديا واندونيسيا ولاوس وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلاند أصواتها لووراوي ماكودي.
لكن حتى إن عرفنا أن هذه هي الاتحادات التي وقفت مع السركال، بإضافة اسم واستبعاد آخر، فليس هذا هو المهم، لأن علينا أن نعي أن هناك 40 اتحاداً لكرة القدم رفضت السركال رئيساً للاتحاد رغم أنه يشغل منصب نائب رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، ويفترض أن يكون الاقرب للاتحادات بحكم المنصب، وهذه هي المعضلة التي يجب أن يراجع السركال فيها حساباته بقوة.
كلنا يعي ويفهم ان الانتخابات لعبة مصالح سواء كانت مصالح شخصية أو رسمية، وكل صوت يسعى أولاً للحصول على مكسب أياً كان نوعه، فلا توجد أصوات مجانية تقدم لأحلى شكل أو أحلى صوت الا في «ستار أكاديمي»، وهنا تظهر لنا نقطة جوهرية في الخسارة، إذ لم يقدم السركال أي شيء لأي أحد ولا حتى وعوداً، إلا شعار «الكرة في القلب»، وأسرار القلوب لا يعلمها إلا الله.. كما وقع في خطأ استراتيجي آخر حين ربط اسمه باسم محمد همام العبدالله الرئيس السابق للاتحاد الآسيوي، وما يحمله هذا الاسم من إشكالات وخلافات سواء على الصعيد الآسيوي أو الدولي، بل إن السركال فرح بهذا الربط وحسب أنه سيجعله يكسب الأصوات التي كانت في حوزة بن همام قبل عامين، وهذا ضرب من ضروب الخيال. وفي هذا الوقت نفسه كان المعسكر الفائز يدرس ويناقش ويحلل ويبحث ويعي أين تكمن مواطن القوة ومواطن الضعف، مع من نقف وعن من نبتعد، ماذا نقدم هنا وبماذا نلوح هناك، ماذا تريد دول مثل كوريا والصين واليابان وأستراليا وهي دول كبرى في القارة، لكي تقنع اتحاداتها بأن تمنحك صوتها. كل هذه الامور بديهية في لعبة معقدة وشاقة، ويجب أن يكون فيها تحالفات قوية ترى مصالحها في يدها، لم تكن موجودة على خريطة السركال في أي وقت من اوقات مشاركته في الانتخابات، لذا كانت النتيجة خمسة أصوات بحساب أصوات الوهم الذى شربناه.
yakoob.alsaadi@admedia.ae
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .