صناعة التعليم

مدارس ‬7 نجوم

د. عبداللطيف الشامسي

إنّ تطلعات حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة الطموحة تعكس روح السباق نحو التميز، حيث إن القيادة الرشيدة تحرص دائماً على تقديم خدمات متميزة ومتقدمة لأبناء الدولة، وتنفيذاً لهذا النهج السامي، قال صاحب السمو نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في إحدى تغريداته على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «نطمح إلى تقديم خدمة سبع نجوم في جهاتنا الحكومية، وسننافس القطاع الخاص في جودة خدماتنا ومنتجاتنا بمعايير عالمية رائدة».

فمن الأحرى بنا نحن ـ التربويين ـ أن نتبنّى هذه الرؤية لتنعكس إيجاباً على أداء مدارسنا لتصبح من فئة «سبع نجوم»، إلاّ أنّ متطلبات الوصول لهذه الفئة لا تقتصر فقط على جودة المباني وحداثة التجهيزات المدرسية، بل لابدّ أن تشمل عناصر منظومة التعليم كافة بدءاً من وضوح فلسفة التعليم ومروراً بتطوير المناهج ورفع كفاءة المعلمين وتدريب الإداريين، والأهم من هذا وذاك تحقيق الانضباط الطلابي، وتطوير آليات فاعلة لتقويم السلوك التربوي، الأمر الذي له الأثر الكبير في تحسين الأداء المدرسي.

وفي الحقيقة لقد كانت لدينا من حقبة الستينات إلى الثمانينات مدارس ذات أداء عالٍ، وبالطبع لا تصل إلى فئة السبع نجوم، لكنها وبكل تأكيد كانت تحتوي على بعض العناصر الأساسية الناجحة في العملية التعليمية، والتي تميزت بكفاءة المعلم وفعالية آليات التقويم السلوكي.

في تلك الأيام حظي المعلمُ بمكانة راقية في المجتمع، حيث كانت تعدُّ مهنةُ التعليم من المهن ذات الشأن الرفيع، وبالتالي كان الكلُّ يُكنُّ للمعلمِ الاحترام والتقدير والامتنان، ثم بالإضافة إلى أنّ اختيار مهنة التعليم كانت تأتي من رغبة الشخص نفسه للمكانة الكبيرة التي حظيت بها تلك المهنة، ومن ثم فقد كانت كليات التربية في وطننا العربي تنتقي أفضل الكفاءات للالتحاق بها، حيث كانت شروط القبول فيها توازي شروط القبول في الكليات المهنية المرموقة كالطبّ والهندسة وغيرهما، بالإضافة إلى أنّ خريجي كليات التربية كانوا يحظون بمستقبل وظيفي واعد وذي مردود مادي عالٍ يتناسب مع مكانة هذه المهنة المرموقة، أما في الوقت الحالي فلم تعُد تحظى مهنةُ المعلم بالمكانة السابقة نفسها، بدليل عزوف كثير من شبابنا ذوي الكفاءة عن الالتحاق بكليات التربية، وأصبح عددٌ ممّن يلتحق بهذه الكليات هم ممّن لم يجدوا بديلاً آخر، أو كانوا مكرهين على هذا الخيار دون رغبة صادقة منهم.

أمّا عن آليات التقويم السلوكي في الحقبة الماضية، فلا ننسى أن دوراً كبيراً في تقويم سلوك الطلبة كان يقوم به العاملون في المدرسة كالفراشين والنواطير، ولا عجبَ من ذلك، إذ كانت المدارس توظّف في مثل هذه الوظائف عدداً من أبناء المنطقة وكبار السنّ المواطنين، وبالتالي كانوا على دراية بالطلبة وأُسرهم وبيئتهم ومشكلاتهم، وكانوا يبذلون ما في وسعهم حرصاً على تقويم سلوكيات أولئك الطلبة لأنّهم كانوا يعاملونهم معاملة الأبناء، ومع استبدال العمالة المقيمة الآسيوية ـ مثلاً ـ بأولئك العاملين المواطنين المخلصين، بدأ ظهور بعض الانحراف في سلوكات الطلبة، ولم تعد المدارس كما كانت.

واليوم إذ نشهد عصر التقنيات فمن المؤكد أننا لا نستطيع الرجوع إلى ذلك الماضي الذي توافرت فيه بعض العناصر المهمة في العملية التعليمية، والتي كان لها دور كبير في تحقيق مخرجات تعليمية عالية تتناسب مع تلك الحقبة، لكننا نستطيع أن نستفيد من كثير من تلك العناصر، وذلك بتحقيق مخرجات تعليمية تتوافق مع تحديات عصر التطور التكنولوجي ومتطلبات سوق العمل من مهارات ذات تقنيات عالية، ويبقى السؤال: هل نستطيع ـ يا تُرى ـ أن نجعل من مدارسنا «سبع نجوم»؟ لاشك في أنّ هذا الأمر ممكن، ولكن يتوجب علينا التفكير بشكل دقيق وشامل وإبداعي لطرح حلول تتناسب مع مجتمعنا المحلي بما يحقق متطلبات «صناعة التعليم» كافة.

Abdullatif.alshamsi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر