الاتجاه الخامس

ذهبت «الفرحة» وجاءت الفكرة!

يعقوب السعدي

إن صلب قضية النجاح هو أن تعيد ابتكار التفكير الملائم لعالم متغير.. أو لنقل بعبارة أوضح وأبسط: لكي تنجح وتثبت وجودك وذاتك وحقيقة قدراتك عليك ان تفكر عالمياً وتتصرف محلياً.

الموضوع ليس عن الفكر أو الفلسفة، وانما وقبل ان يتضاعف التساؤل حول هذه البداية، هو موضوع رياضي بالتأكيد، أوله تهنئة وأوسطه اشادة وآخره وقفة وتوجيه، كما ليس الغرض من هذا المقال هو طرح عمل جديد يوضع في دائرة اهتمام القراء، بل جل ما أطلبه هو التأمل في رحلة مستمرة يقع فيها الكثيرون، وحين ينجحون يعاودون الكرة من جديد للسقوط مكررين الاخطاء نفسها، ليس من قبيل الكفاح والنضال والاجتهاد، وليس هو سعي النمل حين لا تعيه المحاولة تلو الاخرى، حتى يصل بما جمع من اجل رحلة الشتاء، انها ليست رحلة اثبات وجود وذات بقدر ما هي خطأ مستمر متكرر دون ان يكون فيه دروس للتعلم وعدم تكرار الاخطاء، فنجاح فريق الشارقة، وقبل اربعة اسابيع من نهاية دوري الدرجة الاولى، في العودة الى دوري اتصالات للمحترفين، امر رائع وجميل، ويستحق عليه الجهاز الفني والاداري ومجلس الادارة التهنئة والاشادة والتقدير، خصوصاً ان الفريق يضم عددا كبيرا من اللاعبين الصاعدين الواعدين الذين قادهم المدرب ايمن الرمادي بنجاح.

ويمكن الوقوف امام تجربة العودة طويلاً بعد كل ما مر به «الملك» خلال عام الغياب الطويل، الذي كان يمكن ان يتعثر في ظل ظروف اشكالات عديدة احاطت بالفريق في البداية، بل في مراحل النهاية بابتعاد الادارة وتجاهلها بعض المشكلات التي عاناها بعض اللاعبين، وايضا الغياب الجماهيري عن دعم الفريق حتى في اصعب المواقف.. لكن ربما روح الملك وربما التاريخ وربما اصرار اللاعبين على اثبات ذاتهم وقدراتهم وقدرة الجهاز الفني في الابتعاد باللاعبين عن اجواء المشكلات كان وراء النجاح والعودة لدوري الكبار، كما يجب ان يكون الشارقة دائما، فتاريخ الشارقة مثل كل الفرق الكبيرة لا يجوز معه ابداً ان تتغافل ادارة او جهاز او لاعبون عن الحفاظ على هذا التاريخ، بل العمل على دعمه واضافة صفحات جديدة من النجاح فيه، بوجه عام، ولان اباء النجاح كثيرون فالصعود والعودة يستحق معها الكل التهنئة والاشادة ونسيان كل الهموم.

لكن وبعد ان تذهب سكرة الفرحة، وتنتهي مراسم الاحتفال والدعوات المختلفة، سيصحو الشارقة على حقائق جديدة ومريرة على ارض الواقع تتطلب الكثير من الامور المعقدة، اذا لم يحققها واقول من الآن، سيعود الشارقة في الموسم الذي يليه من حيث أتى، فعالم الاحتراف وبعد مرور خمس سنوات عليه في الإمارات بات امراً معقداً وطويلاً، والتحديات فيه كثيرة، ولها متطلبات ابسطها قد يكون المال الذي هو مشكلة المشكلات في المرحلة الراهنة.

واذا لم يتقن الشارقة لغة ما يجري في عالم الاحتراف فلن يجد له مكاناً مناسباً لتاريخ ناصع رائع صنعته اجيال كثيرة مرت على الملك الشرقاوي، ويسيئها ان يجدوا فريقها العريق يهبط من مكانه الواجب والمستحق الى أقل مما يريد.

كلنا يحفظ العبارة الرياضية الشهيرة.. الوصول الى القمة قد يكون سهلاً لكن الحفاظ على القمة هو الصعب، وهذا بالتحديد ما اريد ان اقوله للشارقة، فالوصول الى دوري المحترفــين سـاعدت فيه ظروف كثيرة، منها ما قدمه الشارقة نفسه، ومنه ما قدمه الآخرون من نتائج وتعثر وارتباك وعدم ثقة الى آخر ما حدث ويعرفه كل مشـجع شرقاوي اكثر مني، لكن لو دخل الشارقة بالشعارات نفسها، والمعاني نفسها، فالطريق للعودة مفتوح. يحتاج الشارقة الى عناصر كثيرة وإلا سيقع في اخطاء فرق تجربتها لاتزال ماثلة امامنا جميعاً، حيث دخلت معترك الدوري بالشعارات الرنانة نفسها، والعناصر نفسها، والافكار والافراد نفسهم، فكان مصيرها ان ظلت قابعة في القاع، تقدم الألم لجماهيرها، بدل السعادة كل اسبوع.

قد يكون من حسن حظ الشـارقة ان صعد قبل الموعد بأربعة اسابيع كاملة حتى تتاح الفرص للإدارة ان تبدأ فورا ومن الآن في وضع استراتيجية جديدة للمرحلة المقبـــلة يكون هدف الشــارقة فيها هو الفوز بدرع الدوري ـ وهذا قدر الفرق الكبيرة دائماً.

أما اذا كان الشـارقة ســيرفع شــعار الحمد لله صــعدنا.. وهدفـه هو أن يكون وسـط فرق دوري الكبــار والســلام، فهذا امر آخر يدخـل تحت باب حظك اليوم، ولا اعتقد ابداً ان احداً في الشارقة يقبله او يرضاه، الفوز والصعود بعد عام قاسٍ وصعب وطويل قد يكون درساً.. اذا عرف كيف يستفيد منه الملك، وإلا يجب أن يخلع صولجانه وتاجه وينسى التاريخ ويسبح وسط تيار مظلم يجرفه بعيداً.

فريق الشــارقة يســتحق دائما ان يكون وســط الكبـار، ومحنــة الهبوط وبصراحة تســببت فيـها ادارات تعاقــبت ووضعـت أسـساً خاطئـة، ومبادئ جوفـــاء لا تصلـح في عالم الاحـتراف الكـروي الحديث، وهــو ما يجب ان تتعلمه الإدارة الحالية، وتبقى مصلـــحة الشارقة فوق الجميـع.

yakoob.alsaadi@admedia.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر