‬5 دقائق

الرهق!

سامي الخليفي

من سيرتي الذاتية ستعرف أنني درويش وعلى باب الله، ونسبة ذكائي تؤهلني للعمل شاهد زور، وخبرتي تفتح لي المجال لدخول جمعية معك، بشرط أن أقوم بتمثيل دور قبرص وتقوم أنت بتمثيل دور الاتحاد الأوروبي، فلا مستحيل تحت الشمس، خصوصاً أن لكل داء دواء يستطبُ به، إلا «البطالة» أعيت من يداويها!

وبسبب التزامي بكتابة المقال أسبوعياً، تجدني أواجه الدنيا بجيوب خاوية، فلا صديق أو رفيق أو طريق أتبعه، ولا استراحة لمحارب أو هدوء لعاصفة، ولاأزال أنام على البلاط وأتغطى بالجرائد، وأمشي وكل شيء ضدي، فأصبحت رهين المحبسين «طلبات القراء وأوامر الأصدقاء» من غير الوالدة طبعاً التي - أصرت، تُصرُ، إلحاحاً - لكي أكتب للمطالبة بزيادة مساعدات الشؤون!

«ويا ونتي ونت المسجون، اللي هله ما يزورونه» والكل يعلم أنه كلما ازدادت ثقافة المرء ازداد بؤسه، والحمد لله - ولا أعلم هل يجوز الحمد هنا - فقد استبيحت حياتي الخاصة، وأعتبرها البعض مناسبة مهمة لتجمع الجيران ومناقشة مستقبلي، فأنا بالنسبة إليهم أعتبر «المثقف الإستايل» الذي يخرج من بيته للبحث عن أصدقاء على مستوى الحدث، فيذهب إلى المقهى العريق الذي يحسب حسابه على خريطة المدينة لكي يحتسي معهم أشياء حلالاً، ثم يفاجأ بأنهم يطلبون منه الكتابة عن قضية عويصة من قضايا الساعة (سعر فستان الفنانة أحلام مثلاً)، فيرد عليهم بثورة، فيقاطعونه باستهانة، وللسيطرة على الوضع، ولكي لا يلوث سمعة المكان، تجده ينظر إليهم نظرة كسيرة، كنظرة عامل نظافة بأحد حمامات المول، فينسحب بهدوء عائداً إلى بيته شبه مهزوم.

وطبعاً لن يتكلم الجيران عما يحمله المستقبل لأي كاتب، لأنه «بعيد شوية»، أما في البيت فتصله رسالة مكتوبة مبللة بدموع كاتبتها، تحلم بأن يكتب عن غدر الرجال، وأخرى بتوقيع زوج جبان يتمنى الحديث عن جبروت النسوان، ورسالة إلكترونية من مشتاقة تسعى إلى مشتاق تطلب النصح والإرشاد، وإن نجا الكاتب من ألسنة الناس فلن ينجو من أعينهم ونظراتهم، وبدلاً من أن يحمل رسالة نبيلة، أصبح يحمل رسالة إلى نبيلة يقول فيها «دخيل الله حلوا عني»!

«ومسكين يا كلبن على الخط مدعوس، توه صغير ما تهنا بشبابه» فتبعاً لنظرية داروين في النشوء والتسلق والارتقاء، ستكتشف في السيرة الذاتية لولدي البكر أنه تخرج في الـ«كي جي» (الروضة سابقاً )، وتعلم لغات أجنبية (العربية سابقاً)، والتحق بالتعليم المميز في الجامعة (العادي سابقاً)، وعاش في كلية إدارة الأعمال أكثر من عميدها، وها هو اليوم مهموم بالنضال على «النت» لدهس من يخالفه الرأي.

«انتا مبتجيش ليه، مش تبقى تيجي»!

samy_alain@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر