صناعة التعليم

كيف نقرأ؟

د. عبداللطيف الشامسي

إنه لخبر محزن عندما تشير تقارير الـ«يونيسكو» إلى أن متوسط قراءة المواطن في العالم العربي لا يزيد على ‬10 دقائق في السنة كلها! بينما نجد المواطن الأوروبي يقرأ ساعات عدة يومياً، وتشير الأرقام كذلك إلى أنّ معدل النُّسَخ المطبوعة من الكتاب العربي لا يزيد على ‬5000 نسخة في أحسن الحالات! وأنّ نسبة الكتب العربية المطبوعة تمثّل ‬3٪ فقط من مجموع ما يُطبع في العالم! وهذا يدل دلالة واضحة على عزوف المواطن العربي عن القراءة، التي لها انعكاسات سلبية على المجتمع في فكره وتنميته وتطوره.

إن تشجيع جيل «الآي باد» على القراءة يتطلب منا أن نجعل القراءة ضمن الممارسات اليومية للطالب، بحيث تلامس قدراته، وتتماشى مع ميوله، وتنمّي مهاراته، وتطور طرق تفكيره، بعيداً عن الأساليب التقليدية للقراءة التي أصبحت غير مجدية، ولاتثير شغفه نحو التعلّم، وباستحداث أساليب وأدوات جديدة تقدم له الإثارة والمتعة والإبداع، ومن هنا تبرز ضرورة استثمار التكنولوجيا وأدواتها ـ التي تشغل من وقته حيزاً كبيراً ـ لمصلحة القراءة.

لقد أطلقت شركة «أبل» نسخة من برمجية«آيبوكس أوثر» (iBOOKs author) والتي تُمَكِّنُ دور النشر من إنتاج كتبٍ إلكترونية تفاعليّة للطلبة الذين يستخدمون أجهزة الكمبيوتر اللوحي (الآي باد)، وتتضمن هذه الكتب الإلكترونية الجديدة جملة من السمات المثيرة، كتحويل الصور إلى أسلوب عرض تقديمي، والتحكم بها كصور ثلاثية الأبعاد، مع إمكانية إضافة شريط عرض مرئي (فيديو)، هذا بالإضافة إلى روابط من متن الكتاب إلى معاجم متخصصة تُظهر ترجمة الكلمات على الفور، أو روابط أخرى تأخذك إلى مزيد من المراجع للتوسع في المادة المقروءة، ومع هذه البرمجية سيتمكن الطلبة من كتابة ملاحظاتهم على النص، ومن تحديد المقاطع المهمة منه بأصابعهم، لذلك علينا أن نؤمن بأن القراءة بالطرق التقليدية كالجلوس في المكتبة وبين أرفف الكتب المطبوعة، لم تَعُدْ مجدية مع هذا الجيل، بل لابدّ من استثمار أجهزة الكمبيوتر خصوصاً اللوحي منها، الذي يُغْنِي عن حمل الكتاب، بل عن كتب لا تُعَدُّ ولا تُحصى، وتتوافّر للقارئ عبر الإنترنت بلمسة واحدة في أي وقت ومن أي مكان ولأي موضوع.

إنّ استقراءً للواقع يشير إلى أن معظم أفراد المجتمع حالياً يمتلكون نوعاً أو آخر من الأجهزة الذكية المحمولة، والتي يستخدمونها في العديد من الأغراض، خصوصاً للتواصل الاجتماعي ومعرفة آخر المستجدات، لهذا فإن الكتب التفاعلية يجب أن تكون الوسيلة الفعالة لنشر ثقافة القراءة ليس فقط لجيل «الآي باد»، بل لجميع الأجيال في عالمنا العربي.

القراءة ثم القراءة، لأننا نعْلم أنه يجب أن يعْلم أبناؤنا أن القراءة وحدها قد لا تضمن النجاح، لكن من المؤكد أن عدم القراءة يضمن الفشل، لذا فإن التحفيز على القراءة مهمة ضرورية يجب أن يتعاضد على أدائها أصحاب القرار والإعلاميون والآباء والمعلمون والمعنيون كافة، حتى تصبح القراءة ثقافة منتشرة في المجتمع كله، وبالتالي تكون من ضمن الممارسات اليومية للطالب، وألا تكون موسمية بحيث يقتصر وجودها عند مناسبات خاصة كمعارض الكتب والمسابقات وغيرها، وإنه لمن المهم جداً أن نَعْلَم أن الحثّ على القراءة لا يتم من خلال فرضها عبر مقررات دراسية مملة، بل من خلال تشجيع الطلبة على القراءة الحرة لكل ما يثير ميولهم واتجاهاتهم، مع ترشيدها نحو النافع والجذاب، كالقصص والروايات التربوية الثقافية الموجّهة.

وما ينبغي أن يُلقى على عاتق مؤسّساتنا التعليمية، ضرورة قيامها بالمشاركة الفاعلة في معالجة هذا الخلل المتمثل في ضعف القراءة من خلال أمور عديدة: أولها تخصيص حصة إضافية يومية لتشجيع الطلبة على القراءة الحرة، وثانيها توفير بيئة تنافسية للطلبة، وثالثها وضع حوافز مشجعة للأكثر قراءة، ما يجعلهم يتسابقون لقراءة المزيد، وهو الأمر الذي سينعكس بالتأكيد على أدائهم التعلّمي، ويضمن تحقيق المخرجات التعليمية المطلوبة في سوق العمل، ويلبي متطلّبات النهضة الشاملة في دولة الإمارات العربية المتحدة.

Abdullatif.alshamsi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر