صناعة التعليم
الفصل المقلوب
مفهوم الفصل المقلوب، أو كما يسمى (Flipped Classroom)، المقصود به هو قلب مهام التعلّم بين الفصل والبيت، بحيث يقوم المعلم باستغلال التقنيات الحديثة والإنترنت لإعداد الدرس، عن طريق شريط مرئي (فيديو)، ليطّلِع الطالب على شرح المعلم في المنزل، ومن ثم يقوم بأداء الانشطة التي كانت فروضاً منزلية في الفصل، ما يعزز فهمه المادة العلمية، وهذا هو المفهوم المطور لطرق التدريس الحديثة الذي سنسلط الضوء عليه في هذا المقال.
إنّ دمج التكنولوجيا في العملية التعليمية أصبح ضرورة عصرية، وليس امتيازاً أو ترفاً أو اختياراً، ما يستلزم العمل الجادّ لجعل التكنولوجيا عنصراً أساسياً في التعليم، خصوصاً بعدما أيقنّا أن التعليم التقليدي لا يتناسب مع جيل «الآي باد»، وأن طرق التدريس التقليدية أصبحت غير مجدية، ولا تثير شغفه نحو التعلّم؛ كونها لا تنسجم البتة مع بيئته الحياتية خارج المدرسة، حيث تشغل التكنولوجيا فيها حيزاً كبيراً، فأصبح هذا الجيل في حاجة لتسخير التكنولوجيا، لإضافة الإثارة والتشويق والفضول لعناصر البيئة التعليمية المتعددة من مواد المنهاج الدراسي، والفصول الدراسية، ووسائل التواصل الفعالة بين المعلم والمتعلم، تلبيةً للاحتياجات الفرديّة والخاصّة لكل طالب.
والسؤال الذي يتبادر للأذهان هنا: هل وجود أحدث التقنيات من أجهزة «الآي باد» والحواسيب اللوحية والتطبيقات البرمجية في مؤسساتنا التعليمية سيتيحُ للتعلّم الإلكتروني تحقيق غايته لجيل «الآي باد»؟ والجواب بالتأكيد: لا! ذلك لأن فلسفة التعليم المتمثلة في استعداد المعلم وقدرته على تسخير هذه التقنيات في تطوير وسائل التدريس والتواصل مع الطلبة هي التي تصنع الفرق وتُحدث التغيّر، وذلك من خلال الاستغلال الأمثل لتلك التقنيات، التي لابدّ أن تسهم في إثارة شغف الطالب نحو التّعلم، ما ينعكس على تحصيله العلمي، وما يشير بوضوح الى أن كلمة السر تكمن في تحديث طرق التدريس.
ومن أفضل الممارسات حول تطويع التقنيات الحديثة لتطوير طرق التدريس مفهومُ «الفصل المقلوب»، ففي السياق التقليدي يقوم المعلم بشرح الدرس بينما يترك للطلبة تعميق المفاهيم المهمة في المنزل، من خلال الفروض المنزلية، الأمر الذي لا يراعي الفروق الشخصية للطلبة، أما في نموذج «الفصل المقلوب» فيقوم المعلم بإعداد ملف مرئي يشرح المفاهيم الجديدة باستخدام التقنيات السمعية والبصرية وبرامج المحاكاة والتقييم التفاعلي لتكون في متناول الطلبة قبل الدرس، ومتاحة لهم على مدار الوقت، وبهذا يتمكّنُ الطلبة عامة، ومتوسطو الأداء المحتاجون إلى مزيد من الوقت بشكل خاصّ، من الاطلاع على المحتويات التفاعلية مرات عدة، ليتسنى لهم استيعاب المفاهيم الجديدة.
وفي هذه الحالة يأتي الطلبة إلى الفصل ولديهم الاستعداد التامّ لتطبيق تلك المفاهيم، والمشاركة في الأنشطة الصفية، وحل المسائل التطبيقية بدلاً من إضاعة الوقت في الاستماع إلى شرح المعلم. ولابدّ من القول: إن حسن استغلال بيئة التعلّم الإلكترونية وتنظيمها يدعم هذا النموذج التفاعلي، شريطة أن تكون هناك إبداعات لدى المعلم لإيجاد الدافع والمحفز لدى الطالب للتعلم من خلال المادة التفاعلية الشائقة المعدة قبل الدرس.
وهكذا فإنّ مفهوم «الفصل المقلوب» يضمن الاستغلال الأمثل لوقت المعلم أثناء الحصة، حيث يقيّم المعلم مستوى الطلبة في بداية الحصة، ثم يُصمّم الأنشطة الصفية من خلال التركيز على توضيح ما صَعُبَ فهمه، ومن ثمّ يشرف على أنشطتهم ويقدمُ الدعم المناسب لأولئك الذين لايزالون بحاجة للتقوية، وبالتالي تكون مستويات الفهم والتحصيل العلمي لدى جميع الطلبة عاليةً جداً، لأن المعلم راعى خصوصية قدرات كل طالب على حدة.
وكذلك يُعدُّ «الفصل المقلوب» إحدى الوسائل التي من خلالها تلعب التكنولوجيا دوراً أكبر في حل مشكلة الفجوة القائمة بين الدراسة النظرية للعلوم والمعارف وبين الجانب التطبيقي لها في الحياة العملية، ما يجعل هذه الأنشطة الصفية ـ ضمن النموذج المشار إليه ـ تقضي على جمود العملية التعليمية، وهذا بالتالي سيعالج أحد أهم الأسباب التي تدفع الشباب نحو العزوف عن التعلّم بشكل عام وعن المسار العلميّ بشكل خاص، ما يؤدي حتماً إلى إقبال مزيد من شباب الوطن على دراسة التخصّصات الحيويّة التي تسهم في صناعة أجيالٍ إماراتيةٍ متخصّصةٍ في عالم التقنيات الحديثة، وبناء مجتمع الاقتصاد المعرفي.
Abdullatif.alshamsi@gmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .