مروان.. مثال لقضية أشمل!

ليس سهلاً أبداً على الممثل الشاب مروان عبدالله، أن يكشف ـ عبر وسيلة إعلامية ـ عن مأساة شخصية يعيشها هو ووالدته، منذ سنوات عدة، لكن مجرد وصوله إلى قناعة التحدث عن وضعه إعلامياً، دليل على صعوبة هذا الوضع فعلياً، وتالياً له مطلق الحرية في التعبير كيف يشاء، فمشكلته لن يشعر بحجمها غيره، وهو الوحيد القادر على تحمل تبعاتها.

مروان وجد نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما، خيار الصمت والاستمرار في تمثيل دور الشاب الميسور الحال، الشهير، الذي يطلب كثير من المواطنين والمقيمين التصوير معه، وهو يعيش حياة عكس هذه الصورة الانطباعية التي رسمها الناس عنه، أو التحدث بكل صراحة عن وضعه الاجتماعي، أملاً في إنهاء مشكلته والانتباه إليه، وهو بكل شجاعة اختار الخيار الثاني، وعلى المجتمع الآن احترام شجاعته، وعلى الجهات المعنية الانتباه إلى حالته ومساعدته على تخطي هذه الأزمة، والحفاظ على خامة إماراتية متميزة في المجال الفني.

شخصياً.. لا يساورني أدنى شك في أن مروان ـ قبل نشر معاناته ـ لن يكون هو مروان بعد النشر، فلا أعتقد أنه سيظل ووالدته يعانيان بصمت، ولا أعتقد أنه سيظل يبيت في المسرح، لعدم امتلاكه بيتاً يؤويه، فالدولة رحيمة رؤوفة بأبنائها، ولن تترك أحدهم يعاني، لكنها المفاجأة، فلا أعتقد أبداً أن أمره وصل إلى أي من المسؤولين وتجاهل طلبه، لذا.. المرجح أن الإجراءات والقوانين سيطرت على حالته، فهو لا يملك شهادة راتب، لأنه ليس موظفاً رسمياً، في حين أن ما يقدمه إلى الدولة أفضل بكثير مما يقدمه كثير من الموظفين، لكنها الإجراءات والتمسك ببنود القوانين الحرفية، من دون مراعاة روح القانون!

مروان نموذج لقضية أشمل، وهي دعم المتميزين من أهل الفن، فهؤلاء سفراء الدولة، يمثلونها بفنهم الراقي، ويسهمون في بناء المجتمع من خلال أعمالهم الفنية، ورسائلهم الاجتماعية، التي تدخل كل بيت، ودورهم في تنمية وتطوير فكر وثقافة المجتمع لا ينكره عاقل، وتالياً الفنانون لبنة مهمة من لبنات بناء المجتمعات، والحفاظ عليهم ودعمهم ـ بشتى الطرق ـ واجب على الدولة، خصوصاً إن كان المتميزون منهم قلة، كما هي الحال في الإمارات.

لدينا مجموعة قليلة جداً من الفنانين المميزين، على المستوى المحلي، وهم مميزون أيضا خليجياً وعربياً، هل تساءلنا يوماً: ماذا فعلنا لهم، كي يستمروا في تميزهم؟ بالتأكيد جواب هذا السؤال يفتح كثيراً من الآهات والغصة في قلوب هؤلاء الفنانين، فهم يعانون الكثير من تشدد جهات عملهم، أو صعوبة تنقلهم للمشاركات الخارجية، ويعانون قلة الدعم، وانعدامه أحياناً، وأخيراً كشف لنا مروان أنهم يعيشون أيضاً حياة اجتماعية أليمة، لا تعكس أبداً دورهم وثقلهم وتأثيرهم الثقافي في البلد.

مروان ليس الممثل الوحيد الذي يعاني، مثله آخرون يعانون بصمت، هذا الصمت كسرته الفنانة القديرة مريم سلطان منذ سنوات عدة، وكسره أول من أمس مروان عبدالله صالح، ولا شك في أن البقية في طريق كسره، فهل ننتبه إليهم، وندعمهم ونحسّن أوضاعهم، أم نتركهم يعانون خلف الكواليس، ويضحكوننا ويمتعوننا خلف الشاشة؟!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة