الاتجاه الخامس
«كم يسوى دورينا!»
«كم تسوى القيمة السوقية التجارية الحقيقية لدوري الامارات لكرة القدم للمحترفين؟»، قبل أن نقترب من الاجابة عن هذا السؤال الغامض والواسع والكبير، يجب أن نؤكد بداية أن اقتصار بث مباريات الدوري على القنوات الاماراتية المحلية، هو قرار استراتيجي حكيم الى أبعد حد ليس من أجل القنوات التلفزيونية واستمرار برامجها واستوديوهاتها، كما سيتبادر إلى أذهان بعض القراء، بقدر ما هو لمصلحة الرياضة وتطورها في الامارات بوجه عام، فهو قرار لمصلحة المواطن الاماراتي، ولمصلحة الحياة الجميلة في الامارات، وتقديمها للعالم كله عبر نافذة هذه المباريات التي تنقل بأعلى تقنيات النقل التلفزيوني، ويرانا العالم من خلالها، ويرى صورة الامارات بكل روعتها ورونقها وتقدمها وتطورها ورقي أبنائها، ولو دققنا النظر أكثر في القرار سنجد أن بقاء الدوري على قنوات الامارات المحلية، هو قرار يراعي أبعادا أكبر بكثير من مسألة النقل التلفزيوني، ومن حسابات المكسب والخسارة، فالمال قد يحقق الأهداف لكن لا يحقق الارباح، فالارباح يحققها من يقف وراء المال، ومن يستثمر المال ويعرف أين ومتى ينفق، وأرباح بقاء الدوري في بيته وفي قنوات بلده أضعاف ما يمكن تحقيقه بزيادة درهم أو دولار.
قد يستحق الدوري الاماراتي تسويقيا ـ وحسب خيال الذين خاضوا في الأمر عبر المواقع والصفحات الإلكترونية ـ الكثير، دون أن نعرف كم هو هذا الكثير، لكن هل يمكن بهذا المال تحقيق ما يحققه الان من انتشار ودعاية، أبسط ما فيهما تقديم صورة وطننا بكل ما يجمع من استقرار وأمن وأمان تنعم بها الامارات، هل هناك من هو أحرص منا على تقديم صورة وطننا من خلال مباراة كرة قدم، بكل ما تحمل داخل إطارها من حياة، هذه هي القيمة، وهنا أتذكر عبارة مهمة قالها وزير الرياضة الألماني بعد أن نجحت ألمانيا في تنظيم واستضافة كأس العالم عام 2006، حين قال «لقد استطاعت الرياضة أن تقدم إلى ألمانيا ما لم تستطع السياسة أن تفعله عبر عقود»، وهنا تكمن الفكرة والهدف والرؤية، التي تجعل القائمين على الدوري الالماني يرفضون فكرة الحصرية لتقديمه، ويصرون على جعله على قناة مفتوحة، يشاهدها الجميع دون أي وسائط تكنولوجية يعجز عنها البعض.
إذا تركنا هذا البعد الأهم في الموضوع، وجئنا للبعد التسويقي والتجاري والمالي البحت للدوري، ونظرنا للدوري كسلعة تجارية مطلوب تحقيق مكسب مالي له، فيجب في البداية أن نعرف ان الامر معقد ومتشعب، وتدخل فيه جوانب كثيرة فهو ليس مجرد سلعة عادية تعرض، يمكن شراؤها من على رف أحد المتاجر، بل هو صناعة متكاملة لها اطراف كثيرة يدخل حسابها في الاقتصاد الوطني لبعض الدول، فهل تعرفون ان البعد التسويقي لمباريات الدوري، كما يحدث مثلا في الدوري الانجليزي أو الاسباني او الالماني ينظر فيه أولا للمدرجات وما يمثله الحضور الجماهيري في الملاعب، وما يمثله هذا الحضور من قيمة سوقية، فإذا كان معدل الحضور الجماهيري لمباريات برشلونة في كل مباراة هو 79 ألفاً و261 متفرجاً سنويا ولريال مدريد 66 ألفاً تقريبا في كل مباراة، فيجب النظر في قيمة هذا الدوري ولو كان فيه فريقان فقط، هذا جانب مهم في تسويق أي دوري أو بيعه، فعلى ضوء إحصاءات الحضور يمكن تحديد جانب من القيمة السوقية، ايضا ينظر الى حقوق الرعاية وقيمتها ثم ينظر الى عوائد بيع وشراء اللاعبين وقيمة اللاعب الاغلى، ثم النفقات التي تصرف على الدوري والمشاركين فيه والعاملين فيه، وكلها جوانب اقتصادية مهمة وأساسية توزن بدقة كبيرة حتى يمكن تقدير قيمة الدوري، وعلى ضوء النتائج والارقام يمكن تقدير قيمة الدوري فتدفع القنوات المبالغ التي يستحقها بحساب ما سيعود على القنوات ماليا من هذا النقل بعد ذلك.
البعض دعا إلى طرح الدوري في السوق الاعلامية ليحصل عليه من يدفع اكثر، ودعا آخرون إلى ضرورة تسويق الدوري خارجيا، لتحقيق دعاية خارجية للدوري، وتحقيق انتشار اوسع له وللاعبين، وكلا الامرين ـ وإن كانت فيه صحة ـ يدخل تحت باب الخيال وجلسات السمر، وليس أدل على ذلك من رغبة رؤساء شركات الكرة أنفسهم في الامارات في بقاء الدوري على القنوات المحلية، وهم الادرى والاحرص على مصالح انديتهم، وما يعود عليهم من عائد مالي، قد لا نستطيع في هذا المقال وضع مبلغ محدد لقيمة الدوري الاماراتي، لكن بالتأكيد نعرف قيمته كمنتج اماراتي، نعرف قيمته من خلال ما نقدمه إليه لكي يكون لدينا بطولة قوية ورياضة قوية، ليس في كرة القدم وإنما في كل الرياضات.. خلاصة القول إن قيمة الدوري الاماراتي الحقيقية هي في بقائه على شاشات قنوات الامارات.
yakoob.alsaadi@admedia.ae
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .