صناعة التعليم

الزيّ والانضباط

د. عبداللطيف الشامسي

تتفاجأ عندما ترى مجموعة من الشـباب يتسـكّعون داخل المراكز التّجاريـة أثناء الدوام المدرسيّ، وتزداد دهشـتك حينما يتأكّد لك أنّهم من طلاب المـدارس، وأنّهم ليسـوا في رحلة أو نشـاط مدرسيّ خارجي، بل هم كما نسميّهم «شاردين»، نعم هم هاربون من المدرسة! تُرى لو كان هؤلاء الطلاب ملتزمين بالزيّ المدرسيّ الموحّد، فهل سيجرؤون على الهرب من المدرسة؟

ممّا لاشكّ فيه أنّ لتوحيد الزيّ المدرسيّ فوائد جمّة لا يدركها كثير من أفراد المجتمع، فمنها أنّه يُنمّي لدى الطّالب مبدأ حبّ النظام، والالتزام للدّخول في أجواء المدرسة، والتعلّم منذ الصباح الباكر، ومن أبسط هذه الأمور ارتداء الزيّ المدرسيّ الذي يُعكس من خلاله مدى استعداد الطّالب النفسيّ للانضباط السلوكيّ داخل المدرسة وفي المجتمع بشكل عام، ذلك إضافة إلى أنّ الزيّ المدرسيّ يتميّز عادة بتصميمات فنّيّة تمكّن الطّلبة من الحركة وأداء الأنشطة المدرسيّة كافّة براحة ودون أيّة عوائق.

ويشير خبراء التربية وعلم الاجتماع إلى أنّ الطّلبة الذين يرتدون زيّاً مدرسيّاً موحداً يُظهرون أداء تعليميّاً أفضل في المدرسة، ويرون أيضاً أنّ الزيّ المدرسيّ يُضفي نوعاً من الجديّة داخل البيئة المدرسيّة، وله آثارٌ اجتماعيّة طيّبة في البيئة المدرسيّة، فالملابس والأزياء و«الموضة» تُعد غالباً أساس الصراع الاجتماعيّ أو الطبقيّ، ومن شأن هذا الأمر أن يؤدي غالباً إلى تَوَلُّد الطبقيّة داخل البيئة المدرسيّة، ويشعر كثير من الطلبة أنّ تقييم زملائهم لهم داخل المدرسة، والحكم عليهم يتمُّ على أساس الملابس التي يرتدونها، والأمر نفسه يمكن أن يحدث من قِبل المعلمين والإداريين تجاه الطّلبة، وبناء على ذلك، فإنّ مبدأ تعميم الزيّ المدرسيّ ينمّي روح المساواة بين الطّلبة كافّة، ويجعلهم جميعاً كالفريق الواحد الذي يجمعه مكان وهدف واحد، ما يزيد من روح الألفة والودّ بين جميع الطّلبة، رغم اختلاف بيئاتهم وطبقاتهم المجتمعيّة.

وكما أنّ الحياة المهنيّة تفرض على العاملين فيها الالتزام بزيّ موحَّد يتفق مع متطلبات تلك المهنة كالأطباء والمهندسين والقضاة والمحامين والأمن والسلامة والفنيين وغيرهم من أصحاب المهن المجتمعيّة، فإنّ الزيّ المدرسيّ كذلك يُعد من العوامل المهمّة التي تسهم في إرساء مفاهيم الالتزام بمعايير الحياة المهنيّة وضوابطها داخل المدرسة وخارجها.

وهكذا فإنّ الزيّ المدرسيّ من الوسائل المفيدة في معالجة كثير من الظواهر الاجتماعيّة السلبيّة داخل المجتمع المدرسيّ، ما يحمي الطّلبة من التعرّض لهذه الظواهر والضغوط، ويخلق بيئة تعليميّة صحيّة تفرز نتائج علميّة وسلوكيّة تتوافق مع طموحات الأسرة والمجتمع في شباب المستقبل رجالاً ونساءً.

وهو الأمر الذي يجعلنا نؤكّد أنّ توحيد الزيّ المدرسيّ أصبح أمراً ضرورياً؛ يجب تطبيقه وتعميمه في المدارس الحكوميّة والخاصّة كافّة، وفي جميع المراحل الدراسيّة، سواءٌ للأولاد أو البنات، خصوصاً أنّه لا يتعارض بأيّ شكل من الأشكال مع الهويّة الوطنيّة ممثَّلة في الزيّ الوطنيّ، الذي يتمّ ارتداؤه خارج المدرسة وفي المناسبات الخاصّة والعامّة، إذ إنّ أفراد الشرطة والقوات المسلحة لهم زيهم الرسميّ الموحَّد الذي لا يُقلل أبداً من وطنيتهم وولائهم للدولة، بل يمنحهم المزيد من الثقة بالنفس، والجدّيّة في العمل، والاحترام التامّ من فئات المجتمع كافّة، وهو الأمر الذي نحتاجه في مدارسنا ليكون الزيّ المدرسيّ الموحَّد من العوامل المساهمة في بناء الكفاءات المواطنة المؤهّلة لصناعة مجتمع الاقتصاد المعرفي.

Abdullatif.alshamsi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر