صناعة التعليم

صناعة التعليم لمَ.. كيفَ وما؟

د. عبداللطيف الشامسي

عندما تسأل الطالب عن الهدف من الدراسة بالنسبة إليه، سيكون الجواب غالباً هو السعي للحصول على الشهادة لا أكثر، وعليه فإن كثيرًا من الطلبة لا يفكرون في الوظيفة أو نوع العمل المناسب إلا بعد تخرجهم، إذ يقومون بإرسال السيرة الذاتية إلى مختلف المؤسسات الحكومية أو الخاصة، بحثًا عن الوظيفة والراتب المناسب، وبغض النظر عما إذا كانت تلك الوظيفة تتناسب مع طموحاتهم، أو كونها تتماشى مع التخصص الذي أمضوا فيه سنوات طويلة من الدراسة والجد والاجتهاد! ومن هنا يبرز الخلل في الهدف من الشهادة العلمية، ذلك الخلل الذي بسببه نفقد البداية الصحيحة، والطريق السليم، والقاعدة المتينة لبناء كوادر إماراتية مؤهلة، وذات كفاءة عالية من المعرفة والمهارة.

إلا أننا نستطيع معالجة هذا الخلل، من خلال تطبيق منهج علمي قيادي رائد، يمكننا من خلاله تحديد الغاية من صناعة التعليم، بحيث يُبنى هذا المنهج ويُؤسسُ بالإجابة عن أدوات الاستفهام التالية: «لمَ.. كيفَ، وما؟»، التي نسعى من خلالها إلى بناء الدافعية لدى أبنائنا، نحو حب التعلم والمزيد من التحصيل العلمي، وربط مخرجات التعليم بقدراتهم وميولهم، وباحتياجات المجتمع من حولهم. ويبدأ هذا المنهج من الإجابة عن «لمَ؟»، التي تتطلبُ تفكيراً أعمق لتحديد الهدف الأسمى من صناعة التعليم، وهو أن يكون الفرد عنصرًا فاعلاً ومنتجاً في بناء المجتمع، وخدمة الوطن، مع تحقيق ذاته في الوقت نفسه، ثم يأتي دورُ «كيف؟»، الذي يمكن من خلاله تحقيقُ ذلك الهدف الأسمى، ويتحصلُ ذلك من خلال اختيار الطالبِ للتخصص الحيوي، الذي يتوافق مع مواهبه ورغباته، والذي يُلبي في الوقت ذاته احتياجات القطاعات الاستراتيجية في الدولة، ومن ثم يأتي دور «ما؟»، في تحديد الشهادة العلمية التي تشكل الوسيلة اللازمة لتحقيق الهدف الأسمى.

وبناء على ما سبقَ، فإن «لمَ.. كيفَ، وما؟»، تعبرُ عن منهج علمي قيادي، يشكل القاعدة القوية لقيام صناعة التعليم ونهضتها في أي مكان في العالم، إذ إن هذا المنهج يخلق نمطاً من التفكير الملهم، الذي يساعدنا في تحديد أوجه الخلل في المنظومة التعليمية، ومن ثم الوصول إلى الحلول المناسبة التي تعالج هذا الخلل على أسس علمية ومسببات واضحة، وبالتالي تطبيق مبادرات واقعية شاملة ومدروسة، يمكننا من خلالها تحقيق تلك الآمال والطموحات، والوصول بصناعة التعليم إلى المرحلة، التي ننجح من خلالها في تخريج أجيال متخصصة في مختلف الميادين الصناعية والاقتصادية والاجتماعية، وغيرها من قطاعات العمل والإنتاج، التي يحتاج إليها مجتمعنا الساعي دائما نحو مزيد من الرقي والازدهار والتقدم.

وحيث إن التعليم وسيلة يمكننا من خلالها تحقيقُ الأهداف والطموحات، فإن «لمَ؟»، تعد الركيزة الأساسية لتكوين «الرؤية» الواضحة لصناعة المخرجات الوطنية التي تلبي متطلبات النمو الصناعي والاقتصادي في الدولة، وذلك قبل وضع المناهج وقبل تشييد المباني المدرسية، ومن خلال هذه الرؤية يمكننا الانطلاقُ نحو بناء منظومة تعليمية متكاملة، يقوم ببنائها مهنيون من رجال التعليم، الذين يملكون العقلية المتطورة والخبرات الكافية، لتصميم المناهج التي تحقق تلك الرؤية، ومن ثم يأتي دورالقيادة التربوية في توفير متطلبات التعليم، كالمعلم والبيئة المدرسية، وغيرهما من وسائل التعليم والتعلم.

إن ربط أدوات المنهج العلمي «لمَ... كيفَ، وما؟»، بشكل متكامل سيخلق جيلاً قياديًا من الشباب الإماراتي الواعد والمؤهل، الذي يأخذ على عاتقه منذ بداية نشأته وتعليمه مسؤولية الإسهام في بناء هذا الوطن، ورد الجميل للقيادة الرشيدة، وهو «الحلم» الذي لا يبدأ مع تسلم الوظيفة؛ وإنما يجب أن نربي عليه أبناءنا، منذ مراحلهم العمرية المبكرة، ومن خلال التحصيل العلمي والتميز الدراسي الساعي إلى تحقيق أهداف المستقبل.

Abdullatif.alshamsi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر