صناعة التعليم

المسارات

د. عبداللطيف الشامسي

تكشف الإحصاءات الحكومية أن واقع التعليم في الدولة يعاني ظاهرة عزوف الطلبة المواطنين، خصوصاً الذكور، عن الالتحاق بالقسم العلمي، وهي الظاهرة التي أخذت في النمو والانتشار في الفترة الأخيرة، وأنه يوجد وبشكل واضح خلل في انتساب الطلبة للمسارين العلمي والأدبي، إذ ينتسب أكثر من ثلثي الطلبة للمسار الأدبي مقارنة بأقل من الثلث للمسار العلمي، إضافة الى تسرب نسبة منهم خارج نظام التعليم، خصوصاً في الصف العاشر، وهو الأمر الذي - بكل تأكيد - لا يدعم بناء الاقتصاد المعرفي الذي تنشده الحكومة من خلال تنفيذها جملة من المشروعات الصناعية والاقتصادية التي تعتمد على التكنولوجيا المتطورة.

ولاشك في أن لدينا أسباباً عديدة وراء هذه الظواهر السلبية التي يعانيها واقعنا التعليمي، من أهم هذه الأسباب عدم توافر الخيارات التعليمية أو المسارات الدراسية التي يرغب فيها الطالب، والتي تتفق مع ميوله وقدراته الأكاديمية والعملية، ما يحول دون تفاعله مع المنهاج الدراسي، وتالياً إخفاقه في اجتياز المواد الدراسية، أو عدم استكمال مشواره التعليمي.

لذا فإن طرح خطة لإعادة هيكلة منظومة التعليم، خصوصاً المرحلة الثانوية، أصبح ضرورة ملحة لوقف نزيف تسرب أبنائنا من التعليم، وكذا لتوجيه هذه الطاقات الشابة نحو مستقبلهم المهني، بما يخدم التقدم العلمي والتنمية الصناعية، ويدعم نمو الاقتصاد المعرفي في الدولة.

وبنظرة فاحصة إلى بعض أنظمة التعليم المتطور في دول ذات اقتصادات متقدمة صناعياً، مثل سنغافورة وألمانيا، نجد نماذج متميزة تتفق في مجملها على توفير مسارات تعليم اختيارية في المراحل المبكرة من عمر الطلبة، وبرامج تدريب متعددة تمكنهم من الالتحاق بالمسار الذي يلبي تطلعاتهم، ويتماشى مع ميولهم وقدراتهم الأكاديمية والمهنية.

ومن ثم فإن طرح مسارات اختيارية في منهاج المرحلة الثانوية لإعداد خريجين ذوي كفاءة معرفية قوية ومهارات تفكيرٍ خلاق، يتطلب أن يتكون المنهاج من جزأين أساسيين: الأول منهما يتكون من مواد عامة إجبارية لجميع الطلبة، تشمل المواد الأساسية وهي: اللغة العربية، والتربية الإسلامية، واللغة الانجليزية، والرياضيات، والعلوم. أما الجزء الثاني فيتكون من مواد اختيارية يدرسها الطالب عند التحاقه بأحد المسارات، ويجب أن تصمم تلك المسارات بما يتفق ويدعم الخطط التنموية في الدولة ومتطلبات سوق العمل من الكوادر الوطنية، بما يضمن لها العمل المتميز فور التخرج.

ومن هنا فإننا نقترح ثلاثة مسارات رئيسة للتعليم الثانوي العام، هي: العلوم الطبيعية، والعلوم الإنسانية، وإدارة الأعمال، وذلك على سبيل المثال لا الحصر، على أن يكون لكل مسار متطلبات التحاق وفقاً للأداء الأكاديمي للطالب وميوله، ولقد طرحتُ التفاصيل الأكاديمية لإعادة هيكلة منظومة التعليم الثانوي في كتابي «صناعة التعليم.. نحو بناء مجتمع الاقتصاد المعرفي الإماراتي»، الذي أصدره مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية أخيراً.

إضافة إلى المقترَح السالف الذكر فإن توسيع رقعة التعليم التكنولوجي والفني بمساراته المطبقة حالياً أصبح ضرورة، مع الأخذ في الاعتبار إتاحة فرص التحويل بين المسارات، وذلك بأن يتمتع النظام التعليمي المقترح بقدر عال من المرونة من خلال توفير مسارات تسمح بانتقال الطالب بين مسار وآخر بناءً على أدائه وإمكاناته، واكتشاف ميوله المهنية التي تتوافق مع المسار الآخر، وأن تتوافر له فرص التحويل من الثانوية الأكاديمية العامة إلى الثانوية التكنولوجية أو الفنية أو العكس، من خلال قنوات الربط بين تلك المسارات، بما يتيح له خياراً تعليمياً ينطلق من خلاله إلى آفاق من الإبداع والتفوق.

ويكتمل هيكل النظام التعليمي المقترح بتوفير برامج تعليمية وتدريبية متطورة تُعنى بما بعد الثانوية، ومرتبطة بتلك المسارات بشكل سلس ومتكامل، لتقدم للطلبة من كل الثانويات برامج تعليم وتدريب تؤهلهم للالتحاق بسوق العمل بشكل مباشر، بما يدعم متطلبات التقدم والتطور التكنولوجي والصناعي في الدولة.

Abdullatif.alshamsi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر