صناعة التعليم

المنهاج المتوازن

د. عبداللطيف الشامسي

تناولنا في مقال الأسبوع الماضي موضوع أهمية ربط الدرجة العلمية بالطموح الوظيفي والمهني، باعتبار أن الشهادة الجامعية وسيلة وليست هدفاً، وهذا يتطلب دمج صنفي التعليم الأكاديمي والتطبيقي بدءاً من مرحلة التعليم الأساسي، والمزج بينهما بشكل متين ومتوازن، ما يرغب الطلبة في الإقبال على التعليم ويجعل مخرجاته أكثر جاهزية لسوق العمل، وبالتالي يكون هدف التعليم الوصول إلى مهن تتوافق مع اهتمامات الطلبة وميولهم وقدراتهم العلمية، وصناعة كوادر وطنية ذات مهارات احترافية وكفاءات قادرة على الإنتاج والعطاء فور التخرج. وسنستعرض في هذا المقال كيفية تحقيق التوازن بين النظري والتطبيقي في المنهاج التعليمي بالدولة، للوصول إلى تلك الغاية.

إن تصميم المناهج اللازمة لإعداد الأجيال الجديدة القادرة على مواكبة التطورات التقنية المعاصرة والمستقبلية، يتطلب التفريق بين التطور التكنولوجي، والاكتشافات العلمية الأساسية، فلا شك في أنّ التطور التكنولوجي يتقدم بشكل متسارع منقطع النظير، ومع ذلك كله فإنه يجب التنبه إلى أنّ مبادئ عمل كل هذه التقنيات الحديثة، تقوم على مجموعة من العلوم الأساسية التي تم اكتشافها وتدوينها من قِبَلِ الرواد الأوائل، لذلك تحرص المناهج العصرية على تقديم مجموعة العلوم الأساسية هذه، لكونها القاعدة الرئيسة التي تبنى عليها كل التطبيقات التي نلمسها في شتى مناحي الحياة اليومية التي نعيشها، وبناءً على ذلك فإن المنهاج السليم يجب أن يشتمل على العلوم والمعارف الأساسية (الرياضيات، العلوم، اللغة العربية والإنجليزية...إلخ)، بجانب المواد التطبيقية والتكنولوجية، إذ إن العلوم والمعارف الأساسية تطور القاعدة الأساسية للتفكير العلمي، كما تنمي المهارات اللازمة لربط العلوم عند الانتقال إلى التعليم في ما بعد المرحلة الثانوية، أما الموادّ ذات الطبيعة العملية فتوفّر المعرفة المهنية والتقنية، والمهارات الوظيفية اللازمة لإعداد الكوادر الوطنية الماهرة وتوجيهها نحو المهن والتخصصات التكنولوجية لتعزيز فرص العمل.

إضافة إلى ذلك علينا أن ندرك ضرورة تحقيق توازن دقيق بين الجانب النظري (الأكاديمي) والجانب التطبيقي (العملي والمهني) في المنهاج، فالنظري يشمل كل ما يستقيه ويتعلمه الطالب خلال الفصول الدراسية ومن الكتب والمراجع العلمية، أما الجانب التطبيقي فيشمل المهارات والقدرات التي يكتسبها من التطبيقات البرمجية وبرامج المحاكاة والتجارب المخبرية وورش العمل والتدريب العملي والعمل التطوعي والمهارات الاحترافية الوظيفية، وعليه فإن تحقيق التوازن في المنهاج بين النظري والتطبيقي يخضع لمتطلبات التخصص المهني الذي يسعى الطالب للالتحاق به.

لقد أدت الفجوة القائمة بين الدراسة النظرية وبين الجانب التطبيقي في الحياة العملية، إلى عزوف الشباب عن الاستمرار في التعليم النظامي والاكتفاء عند مرحلة ما، لأنهم اعتقدوا أنها لا تحقق رغباتهم وتطلعاتهم المستقبلية، إضافة إلى جمود العملية التعليمية التي تعتمد على الأساليب التقليدية في التدريس دون مراعاة لشخصية الجيل الجديد، جيل «الآيباد» الذي عاصر الثورة المعلوماتية وتَطَوُّرَ الإنترنت، ومن هنا يأتي دور مؤسسات التعليم نحو تعزيز الجانب التطبيقي لتكون جزءاً لا يتجزأ من المنهاج من خلال ربط المعرفة النظرية بالجانب التطبيقي بشكل متين ومتوازن.

إن مجتمع الاقتصاد المعرفي يتطلب الموارد البشرية المؤهلة ذات المهارات التقنية العالية التي يعتمد بناؤها على نشر ثقافة الإبداع والابتكار من خلال تحقيق التوازن في المنهاج بين النظري والتطبيقي، وكما أن المؤسسات الصناعية والمجتمعية في الدولة مطالبة بالتميّز ومواكبة التطور والقيام بواجبها الوطني لدعم جهود النهضة الاقتصادية، فإنّ المؤسسة التربوية والتعليمية هي الأولى بمثل هذه المطالبة، فهي المسؤولة عن إعداد جيل قادر على استيعاب تطورات العصر، والتعامل معها، حتى يمكن للجيل الجديد أن يأخذ دوره الأساسي والمؤثر في منظومة الاقتصاد.

Abdullatif.alshamsi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر