مدرسة الحشاشين

على الرغم من الكم الهائل من الكتب والأبحاث التي تناولت الإرهاب من مختلف جوانبه، إلا أن هناك ندرة واضحة في الكتب التي تتعقب هذه الظاهرة إلى بداياتها الحقيقية. ومثلما تجد زوجة الصياد في الحكايات الشعبية خاتم زواجها الذي أضاعته في جوف سمكة هامور قبل قليها بدقائق. وجدت ضالتي حيث لم أتوقع، في رواية «آلموت» التاريخية لفلاديمير بارتول.

فالرواية كما يذكر الدكتور محمد شاهين في كتابه «آفاق الرواية» لم تعد وسيلة للمتعة أو تزجية الوقت فحسب، بل أصبحت ــ بالإضافة إلى ذلك ــ عملاً فكرياً يتطلب جهداً خاصاً من المؤلف، ومن ثم جهداً موازياً من القارئ الذي أصبح لزاماً عليه أن يفكر ويحلل وهو يقرأ.

يتكئ فلاديمير بارتول في روايته على التاريخ لصناعة الحكاية، أي أنه يقوم بأخذ جملة من الأحداث التاريخية ووضعها ضمن سياق أدبي، وهو في هذه الرواية يتناول تاريخ فرقة «الحشاشين» بعقلية الأديب ومزاجه وأسلوبه، وليس بعقلية الباحث ومنهجيته.

وتدور أحداث الرواية حول حياة وممات حسن بن علي الصّباح، مؤسس وزعيم أول جماعة إرهابية منظمة درجت تسميتها بـ«الحشاشين»، وقيل في سبب التسمية ــ رغم عدم دقتها تاريخياً ــ أن حسن الصباح درج على تخدير جنوده بالحشيش قبل إرسالهم للقيام بعمليات فدائية.

المثير أن أهم جماعتين إرهابيتين في عصرنا هذا «القاعدة، وحزب الله» استلهمتا مبادئ مدرسة «الحشاشين» في العنف، والاغتيالات السياسية. ولكن الأكثر إثارة، أن ما يجمع حسن الصباح، وحسن نصرالله، وأسامة بن لادن أكثر مما يفرقهم، فرغم اختلافهم في المذهب الديني إلا أنهم جميعاً يتشابهون في الأيديولوجية، والممارسات السياسية.

عاش حسن الصباح في قلعة «آلموت» على قمة جبل شاهق يصعب الوصول إليه، مثلما عاش أسامة بن لادن متوارياً في جحور تورا بورا، ويعيش حسن نصرالله مختبئاً في حفرة من حفر الجنوب اللبناني.

يقول الكاتب الأميركي إيريك هوفر في كتاب «المؤمن الصادق» أن أهم ما تولده الجماعات المتطرفة في نفوس أتباعها: الاستعداد الأعمى للموت، والولاء المطلق.

استطاع حسن الصباح أن يضمن ولاء أتباعه، عن طريق إقناعهم بأن طاعته هي مفتاح دخولهم الجنة. فقد أنشأ في محيط قلعته فردوساً على الأرض ملأه بما لا عين رأت ولا أذن سمعت. لا يدخله إلا من كان على استعداد للتضحية بحياته في سبيل تنفيذ ما يوكل إليه من عمليات انتحارية. وبالمثل أنشأ أسامة بن لادن وحسن نصرالله جنة سماوية لا يدخلها إلا الموالون لهما. إذ لم تخلُ خطبة من خطب المذكورين عما ينتظر من يموت من أتباعهما في تلك الجنة.

جدير بالذكر أيضاً أن حسن الصباح وحشاشيه كانوا سبباً ــ إلى جانب أسباب أخرى ــ في تفشي الضعف في أركان الدولة السلجوقية بعد اغتيالهم لوزيرها الأقوى نظام الملك، ما سهّل على الصليبيين دخول الشام واحتلال القدس بعد ذلك. في المقابل أسقط أسامة بن لادن بنايتين في نيويورك فأسقطت أميركا دولتين إسلاميتين. أما حسن نصرالله ــ وبتحريض/تحريك من إيران ــ فقد تسببت مغامرته في ‬2006 في تدمير بيروت وتوريطها في حرب غير محسوبة.

ومن أطرف المترادفات، أن هذه الجماعات الثلاث متهمة بالتورط في استخدام الأفيون لتمويل عملياتها الإرهابية.

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

 

الأكثر مشاركة