‬5 دقائق

طريقة صبغ الشعر!

سامي الخليفي

في عيد ميلادي غنى لي الأولاد: سنة سودا يا جميل، وطلبوا مني أن أتمنى أمنية، فأغمضت عيناً وتركت الأخرى خوفاً من الرادار، وتمنيت أن يزرع الله فيهم العقل، وأن يختفي عواجيز التحليل الرياضي من ساكني الفضائيات من الفضائيات، ثم خرجت وسط زحام السيارات والمناهج العشوائية لأشتري صبغة الشعر، بعد أن خاطبتني إحدى الحسناوات بكلمة «عمو» فتذكرت أني تجاوزت الأربعين، وهي السرعة المقررة للشارع، عدت بعدها للمنزل لتسألني المرأة التي أعيش نصف عمري معها وبراءة الأطفال ليست في عينيها ؟ ليش تصبغ! فجاوبتها: علشان أستعد لقرب نهاية العالم! من فضلك قم طفي التلفزيون وتعال نقرأ طريقة الاستخدام للصبغة.

بعد أن تمزج الخليط اتركه لمدة عشر دقائق، تعال أحدثك أثناءها عن مشكلة قديمة عمرها من عمر إبليس، فمن حكم المولى عز وجل أن تكون للسن أحكام، فالحيوية مثلاً تكون من عمر ‬19 ولغاية ‬35 ثم تهب عليها رياح التعرية وتحال للتقاعد، فقد ثبت بيولوجياً أن الإنسان يتقدم في السن لكي يفسح المجال لغيره للعبور من خطوط المشاة، ؤأخيراً اكتشفت أنه من غير المعقول أن يتخطى شخص مثلي وبصعوبة سن الأربعين ولايزال يشاهد الوجوه الرياضية نفسها تتكرر لسنوات في الظهور على الشاشة، سواء من أعضاء اتحاد الكرة أو لاعبي الأندية أو خريجي معامل ومختبرات التحليل الفني، قم افتح التلفزيون، ووزع الصبغ على المناطق الأكثر شيباً.

وإن سألتني عن مشكلتنا الأزلية، فهي أننا نعتبر أي واحد بدل بطارية الموبايل مهندس إلكترونيات، وأي واحد لعب في الحارة ولو عشر دقائق خبيراً رياضياً، وإذا كان الكلام في التلفزيون من ذهب فإنه في الإذاعة من فضة «لا تستخدم الصبغة للجفون والحواجب» فآخر ما وصلت إليه زحمة المهن مهنة محلل رياضي، حيث يقوم شخص بعرض همومه على زميله فيبادله زميله العرض، ولأن الدموع خير من لا دموع، وبلل العين خير من جفافها، وفي البكاء راحة، وفي التصريحات لذة، أما الإنجازات فيفتح الله، يظهر لنا بعد نهاية كل بطولة بيان يشيد فيه اتحاد الكرة بالمنتخب والمنتخب يشيد باتحاد الكرة، ثم نواسي المغلوب ونهنئ الغالب ونفنش المدرب الشرير، قم اطفي التلفزيون، واغسل شعرك جيداً بالماء الدافئ .

وحين قال سقراط حكمته البليغة «اعرف نفسك» لم يكن البشر حينها يعرفون قيمة صبغة الشعر، فقد كان سقراط (الفيلسوف مش اللاعب) حكيماً من الذين عرفوا الآلام البشرية الراقية، مع هذا لم يظهر في التلفزيون، وظهرت بدلاً منه برامج «توك شو» ومسلسلات عربية فرع مقاولات، تكون فيها الحلقة الأخيرة أطول من بقية الحلقات علشان يعطي المخرج الفرصة للشرير لكي يتوب، دخيلك قم افتح التلفزيون واحتفظ ببقية الصبغ بعيداً عن متناول الأطفال.

نعيماً.

samy_alain@hotmail.com  

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر