5 دقائق

أيها الخريف ترفّق!

سامي الخليفي

يوم الاثنين لا أحب الحديث في السياسة لأن الحديث فيها ذو شجون، قد يجر أحياناً إلى حديث ذي سجون، لذا من المفيد أن نتحدث في المفيد، فأستأذن لقراءة المقال وضع الموبايل على الصامت وارفع صوت التلفزيون وارسم على الجدار ما يجول في خاطرك، فالحياة بطبعها مواسم، فبعد موسم تزاوج القطط يأتي موسم الأمطار، وصدقني القهوة من غيرك ما لها طعم، والشاي من دونك تحصيل حاصل، وفي الخريف تهاجر الطيور وتتساقط أوراق الشجر ويتساوى الليل مع النهار، وتظهر ـ كرامات ـ الشركات مع أول قطرة مطر، فتتحوض المياه وتنتكس الشوارع وتتحول إلى ـ أكواريوم ـ كوني عظيم يصلح لظهور عروس البحر، وطبعاً أنا أتفق مع الشاعر المحترف الذي قال في قصيدته الجنائزية الحزينة: نعيب شوارعنا والعيب فيهم، وفيهم هنا تعود لمهندسي الطرق من خريجي أرقى جامعات درب التبانة (زيدوا على الرز بصل شباب).

وثلاثة لا يتحملها أحد «فقد صديق وقصة حب وتحوض مياه الأمطار»، والبارحة تحولت الشوارع إلى فينيسيا في عز موسم السياحة، فوقفت وسط المياه وبدأت أخاطب مجموعة من المتضررين أمام أحد الدوارات متذكراً نابليون حين وقف مخاطباً جيشه أمام أبو الهول قائلاً: 40 قرناً من الزمن تطل عليكم يا أبناء فرنسا، فقلت مستشهداً بخطابه: بصراحة نحن مش ناقصنا مادة، بس ناقصنا ضمير حي يا أبناء المدينة، وبينما نحن واقعون في حيص بيص سألني صديقي وهو يحاورني: يعني لازم كل سنه نفس السيناريو! فصاح فجأة شاب على وجهه طن من البلادة: مش مات قبل اسبوعين أول انسان نزل على القمر فأجبناه جميعاً «أيوه» فأكمل: مش المفروض يدفنوه في القمر! فاستدرنا نحوه نلعن أجداده ثم بدأنا نترقب وصول قوات البلدية لشفط المياه على أمل ظهور القارة المفقودة، وطبعاً في هذه اللحظة ستسألني أين ذهب صديقك الذي كان يحاورك، فأرد عليك بأنه مشى بسيارته وسط اليم بالإثارة والزهو نفسيهما اللذين كانا يتملكان كولومبوس وهو يبحر بجنون إلى العالم الجديد، فالمرحوم يؤمن بأن من المظاهر المهمة في علم الميكانيكا السباحة بالسيارة، فله الرحمة ولنا الزحمة.

و«بيكوز» البعض لا يتعلم من أخطائه، فقد بقينا لساعات حتى جاءنا المدد وبدأ العمال في شفط المياه وبدأنا نحن في حساب الخسائر، والساعة بخمسة جنيه والحسابة بتحسب، فمن زمان والشوارع على خُطى الفشل الكلوي «قابلني عند نخلة الاتصالات»، ومن زمان وحالنا مع الأمطار كحال المخرج التلفزيوني الذي يترك النهاية مفتوحة وللمشاهد الحق في اختيار نهاية البطل.

مطر، مطر، مطر، مطر!

amy_alain@hotmail.com  

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر