«الجلاد؟!»
في الأدب العربي للجلاد حظوة وحضور قوي، فهو دائماً يقف خلف حاكم ما في قصة ما في قصر ما في بغداد حتماً، ويمسك بسيفه لقطع رأس بطل القصة، وربما كان أكثرهم حضوراً في الأدب هو الجلاد الشهير «مسرور»، الذي كان يقف في قصص ألف ليلة وليلة خلف السلطان شهريار ليجيب سيده في حال سكوت شهرزاد عن تسليته اليومية المملوءة بالبذاءات والخيالات الجميلة والـ«طوووط» الشهيرة التي نسمعها على «تشانيل توو»!
وبعد أن استأجرت شهرزاد مجموعة من الفتيات الشقراوات لتسلية شهريار الذي تحول بدوره إلى بائع دانقو بسبب ما حل ببغداد ومن حولها، لم يعد هناك وجود «للجلاد» ولا حاجة له، ولم نعد نسمع بهذه الكلمة اللطيفة إلا في بداية كل عام دراسي مخيف، إذ يطلب منك شراء ثلاثة إلى خمسة أمتار منه «لتجليد» الكتب المدرسية الخاصة بالطلبة.
لا أفهم حقيقة السبب الذي يدفع الوزارة منذ 40 عاماً لطباعة كتب «بدون تجليد» وإدخالنا في هذه الدوامة السنوية، هل هي رسالة مبطنة للآباء والطلبة بأن «الموسم» بدأ؟ ثم لماذا «جلاد»، لم لا نسميه «تغليف» أو «كفر»، أو نخترع له اسماً جديداً بعيداً عن إيحاء الرعب السخيف في اسمه الحالي؟
ثم تبدأ عقد المعلمين للظهور بوضوح في نوعية الطلب، فالمعلم الذي «رمي» في منطقة بعيدة عن سكنه، وجدوله به أكثر من خمس حصص يومية، يطلب «جلاد ثخين أصفر به دوائر بارزة»، أو «مظلل بنسبة 30 إلا من الزوايا وعند ستيكر الاسم»، أما السعيد منهم فلا يهتم بتفاصيل الجلاد أصلاً، المهم أن يكون موجوداً ليشعر الدفتر بالأمان.
العملية ذاتها تتطلب التعامل مع الدفاتر كالبشر، فأولاً لا يمكنك تجليد كتاب ما لم يكن منبطحاً، لأن الجلد لا يكون إلا لمن ينبطح، ثم تأتي عملية فصل الجلاد عن ورقته الأصلية دون «تطعيج» الزوايا ، وكالبشر أيضاً، فكلماً نفخت بين الجلاد والدفتر زادت الفقاعات الهوائية وأصبح شكل الدفتر أكثر قبحاً واحتاج إلى مسطرة حديدية لتقويمه!
وككل البشر أيضاً لا تستطيع أن تخمن ما في داخل الدفتر من لون جلاده وغلافه، فما أكثر الدفاتر المجلدة جيداً من الخارج، الخالية من داخلها تماماً، ربما، سوى بضعة أسطر متوازية، أشبه بتخطيط قلب الميت!
Twitter:@shwaikh_UAE
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .