5 دقائق
ما تيسر من حزن
سامي الخليفي
اقرأ معي هذا الخبر، وخذ نفساً عميقاً، وقل: آه «أسعار الخضراوات تنخفض في رمضان 30٪!»، لا أستبعد أن هذا الخبر سيفقع البعض في شيء عزيز لديه ( المرارة )، فدخول أحدنا اليوم إلى أقرب بقالة أو جمعية يعتبر مغامرة غير محمودة العواقب، حيث سيقف منكسراً أمام كرتون التفاح كما وقف نابليون ضعيفاً أمام عظمة الثقافة المتمثلة في شخص الفيلسوف الألماني غوته، وسيقوم بإلقاء بيانه الخاص منفساً عن غضبه وانفعاله وسيدخل يده في الكرتون ويمسك بتفاحة ويشمها ويقبلها مجاهراً عامداً متعمداً ثم يرجعها مكانها، وطبعاً ستنتعش رجولته فجأة ويتذكر زوجته التي «ستشرشحه»، إذا لم يأتِ لها بالمطلوب، فيثيره التحدي وهو الذي لا يثيره شيء في الحياة أكثر من التحدي، فيسأل عن سعر «الكوسا» ويأتيه جواب يؤكد أن شراء «كيلو» ترف لا يستطيعه إلا القادرون من نجوم الكرة والغناء، ثم يسأل عن كرتون الجوافة فيسمع السعر ويصعق ويكاد يغمى عليه، فيطلب منه «كيلو» فيأتيه صوت البائع محذراً «خذه كله أو اتركه كله»، أما سؤاله عن الفراولة فسأطلب منك أن تنسخ الكلام في السطر السابق وتضعه في هذا السطر، وستجده يعبر تحديداً عما في خاطري، و15 رجلاً ماتوا من أجل الصندوق (في رواية الكرتون).
صحيح اللي يعيش ياما يشوف «اللي يتزوج يشوف أكثر»، والبارحة قرر صديقي «الديزل» مقاطعة الجمعية التي ترفع الأسعار فور مغادرة لجنة التفتيش عن أسلحة «الثمار» الشامل، فبين جدران المدارس يُصنع الغد، وبين أرفف الجمعيات يُسرق الحلم، وفي رمضان يزداد عدد الأيدي التي تمسك المسابح، فيتحول البعض إلى شخص ورع تقي لا يرفع السعر بل ينتظر إلى ما بعد المدفع، وهناك مذيع نشرة جوية عنده بنتان الصغرى 18 والكبرى ،33 يؤكد أن الطقس غائم جزئياً مع احتمال ظهور بعض التصريحات تنشط أحياناً مثيرة للأتربة، والبحر خفيف إلى متوسط «الموز» يضطرب أحياناً في العمق، والغرامات شمالية غربية خفيفة تؤدي إلى عدم تدني مدى الرؤية الأفقية، والشاب الأسمر جنني يا عيوني، سلبلي عقلي مني الله الله.
طبعاً الحل بالنسبة للجماهير العريضة موديل ،2012 يكون بالحزم الرقابي و«العين الحمرا» فهما يؤديان تلقائياً إلى هبوط الأسعار وعودة الحرارة الطبيعية إلى جسم التاجر، وأنا بصراحة مثلك صائم ولا أريد أن أفطر على بصلة، بل أريد أن أجرب الموت من كثرة الأكل، لكن الظروف تعاندني ولا تسمح لي إلا بالموت بخطأ طبي، فإذا اقتنعت بأن خبر خفض أسعار الخضراوات غير صحيح «عطني رنه»، وإذا تأكدت أنه صحيح اغلق «الموبايل»، وصدقني ما دمت تقرأ تصريحات تؤكد توافر السلع وتثبيت الأسعار (بمعنى انسى تخفيضها)، فتأكد أنك ستظل عائماً في مياه البطيخ.
حماية المستهلك «سلامة الشوف»!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .