5 دقائق

صائمون صامدون

سامي الخليفي

أكتب لكم بالقلم الرصاص دليل الحب والإخلاص، في هذا الشهر الفضيل ومن خلال متابعتي لشعب يُباد على مهل وعلى عجل وبتشفٍ أقول، وقد ناحت بقربي حمامة، بأن من قَتل يُقتل ولو بعد حين، ومن سحل يُسحل ولو بعد حين، وأنا مستعد لأن أهجر حياتي كلها علشانك بشرط أن تجاوبني: ما دام مكتوب على الباب ادفع تسحب الباب ليش؟

في رمضان تظهر الكائنات على حقيقتها، خصوصاً في وجود هذا الجو الذي لا تطير فيه حتى النسور، فيصبح البعض متقلب المزاج مثل «الكاوبوي» الذي يشهر سلاحه لأتفه الأسباب، حيث تلتهب أعصابه ويرتعش جسده ويصفر وجهه الحازم الملامح الذي لم يتقن فن الابتسام، تنهال عليه أطنان من التعاسة والشقاء، يلزم الصمت فيختار ركناً قصياً يتابع فيه وبعصبية الشغالة وهي تقوم بخدمة الشحن والتوصيل المجاني من المطبخ إلى غرفة الطعام، يقرصه الجوع ويستبد به العطش ويتملكه الملل ويتحلق بعد دقائق مع أحد عشر كوكباً عبثت هرمونات النمو والمراهقة بوجوههم حول طاولة الطعام ترفرف فوقهم جنازة، لا شيء على الطاولة يُترك للظروف، فأي إهمال من أي نوع سيضرب عليه بيد من حديد، صوت الأمعاء الخاوية يطغى على صوت التلفزيون، (الفيمتو) حاضر وبقوة، وفي لحظة الصفر «هوووبا» ينطلق صوت المؤذن، وبالصوت والصورة تتكسر الأرقام القياسية أمام وطيس معركة شعارها شبيه بشعار الألعاب الأولمبية، الأقوى، الأسرع، الأعلى، فتتعجل مطالبه بحق تقرير العصير، فتلتف يده حول كوب الفيمتو كما تلتف الحية الاستوائية حول جسم ضحيتها لتعصره، فيدلق المشروب دفعة واحدة، ويطوح بلقمة ويبتلع أخرى ويلهط ثالثة ويمسح فمه بأكمامه ثم يتجشأ.

تنزل الأطعمة الجبارة على معدته نزول التتار على بغداد، ترتخي بعدها عضلاته كمريض أنهى جلسة زار مرهقة، ينهي الجوله بشرب البيبسي (لازم يكون لايت)، يتبعه شرب الشاي مع عودين نعناع - في قلاص جبن - لكي تستيقظ لديه ملكة الإحساس والانتباه التي تجعله في حالة توافق مع النفس، حاجته الآن للسيجارة أشد من حاجته للتنفس، يقيم صلاة المغرب -طياري- في المنزل، أما التراويح فيبدأ يفاضل بين المساجد عن أيها الأقصر للصلاة والأسرع في أدائها، يدخل الجامع لاهثاً من تأثير النيكوتين المتراكم في صدره، يقف في الصف شبه معووج، ثم ينهزم تدريجياً أمام تأملاته وأشجانه، يذهب وهو خرمان لخيمة رمضانية تحوي نخبة من جنرالات المقاهي فيجلس بينهم في وقار، وتجيء جلسته بجوار واحد وقور مثله، فيبتلعان دخان النارجيلة المحشوة بالمكسرات، وينتقلان من كذبة إلى أخرى في سهولة ويسر ووقار، ومن بين ترانيم العود يتفق الوقوران على أن الكسل أصاب الجميع، وأن البركة انتزعت من الأرض، يعود بعدها صاحبنا للمنزل استعداداً للسحور.

رمضان كريم!

samy_alain@hotmail.com  

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر