5 دقائق

على أبواب باريس

سامي الخليفي

في زوبعة من الفوضى نزلنا باريس كما ينزل النيزك على الإنسان فيهلكه، وباريس لمن لا يعرفها تعني الترف والأناقة والتحليق والحرية والمتاحف، بل الكثير من المتاحف، حيث يوجد بها 1200 متحف، طبعاً من غير القصور والقلاع والتماثيل، وقصر فرساي، وفرنسا التي قامت ونفضت عنها غبار الحرب الكونية، دخلناها وهي تحتفل بعيد استقلالها (أو لالاه)، فما أعذبها من نشوة وأنت تشاهد ذلك الاستعراض العسكري الفخم بجانب قوس النصر، إلا أن عيب فرنسا أنها تتكلم فرنسي، وهي لغة صعبة بالنسبة لواحد مثلي خريج منهج (مع حمد قلم وورق).

فرنسا من الدول المتقدمة التي تضع الحيوان في أسمى منزلة، (ويا سلام على باريس وعلى جمال باريس يا زناتي)، وإذا أطلقت عنان البصر لتتأمل حواليك فستكتشف وجوهاً عدة للمدينة، فمن صميم التقدم هنا أن التفاهم بينهم يتم بلا كلام، فكلما مر بنا شخص أومأ برأسه بالتحية، أو قابلنا وعلى وجهه ابتسامة وعلى لسانه عبارة «بونجور مسيو»، حتى الجرسون ينحني لك بنبل وعظمة وتواضع ممزوج بالكبرياء، وبما أن البلد تقدس وتحترم الثقافة فقد كانت الكتب متاحة على الأرصفة وبأسعار أرخص من علب السجائر، وثقافة الاختلاف لديهم تختلف كثيراً عن صراع الديوك التي نشاهدها في بعض برامج الحوار، وأي مسؤول عندهم مش لازم يكون شبعان ومن بيت شبعان، وهنا تلاحظ أن الشحات يشحت بالعزف على آلة موسيقية، والمتسول يتسول واضعاً أمامه ورقة مكتوباً عليها حكمة اليوم (التسول خير من السرقة)، وهنا - أنت حر ما لم تضر -، والشعب «الفرنصاوي» يتفانى في حب النظام والنظافة واحترام المواعيد، وهذا بحد ذاته لغز حير نابليون وحير المؤرخين من بعده.

للعرب جالية كبيرة تلعب بالفلوس وغير الفلوس، وفي باريس بالذات بإمكانك أن تكون غنياً بشرط ألا تستفز الآخرين، إلا أن البعض، خصوصاً المقيمين الدائمين بمجلة فوربس للأغنياء، أبوا إلا أن يستفزوا الجميع بسيارات آخر موديل تسرح وتمرح على طول شارع الشانزليزية في استعراض ولا زفة الأميرة ديانا، على أمل أن تكتمل لهم السعادة ويدوم لهم الانشراح، وبما أننا «تورست» فقد عشنا الحلم بكل بهائه، فزرنا متحف اللوفر وقضينا به أكثر من ثلاث ساعات بحثاً عن كافتيريا (يمدحونها الجماعة)، وجاء الشهر الفضيل وبعدد ساعات صيام تبلغ 16 ساعة، وهو رقم يهون أمام أجواء يتساقط فيها المطر حتى أثناء مباريات كرة القدم، فلا تشعر بالجوع أبداً، حتى وإن كنت متسحراً بسكويت متبعاً نصيحة الأميرة ماري أنطوانيت رائدة مدرسة البتي فور.

samy_alain@hotmail.com  

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر