5 دقائق

مسافر بلا متاع

سامي الخليفي

أحييكم من ألمانيا، وتحديداً مدينة دوسلدورف، التي دخلناها «سائحين لا فاتحين طبعاً»، بعد سبع ساعات من الرعب الطائر، المناخ معتدل تسوده روح الديمقراطية، يعني تعصف الريح فجأة ويلمع برق خاطف ويدوي رعد قاصف وتهطل الأمطار، ثم تظهر بعدها الشمس لتلهب المدينة بسياطها! رحبت بنا مالكة الفندق بحنان كبير، وتقبلتنا قبولاً حسناً وأوصت بنا العاملين خيراً، «ندمت على ذلك لاحقاً»، فمن عادة الألمان أنهم يرحبون بالغريب ما لم يكن غازياً أو عنده عيال مزعجون، لهذا قالت لنا بعد ليلتين وفي لحظة صراحة وبلهجة الدول العظمى: إننا أشخاص غير مرحب بهم في الفندق.

جغرافياً تقع دوسلدورف - على ما أعتقد - على نهر الراين، يحدها من الشمال - إذا ما كنت غلطان - كارفور، تم تصنيفها أخيراً على أنها من أفضل المدن من حيث جودة المعيشة، تتزاوج فيها الطبيعة والتراث معاً، حيث ترى خيرات الله تباع على الأرصفة، ومما يبعث على التأمل والاتعاظ أن الاسعار لا تحتاج إلى مفاوضات مع البائع، حيث يدفع الزبون بنفس هانئة وقلب راضٍ، يُسمع في المدينة من تغريد البلابل ما الله به عليم، ويُشاهد السمك وهو يطفو على النهر لكثرته، وترى تماثيل نصبت في الشوارع والساحات ترمز بعفوية إلى العبقرية الألمانية في شتى صورها، ومع أن البلد أمان، إلا أني كنت أمشي رافعاً مبدأ «ياحيطة داريني»، حيث قررت ألا أذهب للصلاة في الجامع «علشان لا يقولوا عني إرهابي ويعتقلوني ويرحلوني بعدها معصوب العينين إلى معتقل (جوه إنتو نامو) بكوبا»، وحينها تتلقفني أدوات التعذيب الكفيلة بانتزاع أي شيء وكل شيء.

بالقرب من دوسلدورف تقع مدينة كولن، مرتع الخيال ومخبأ العشاق وربوة المغامرين الراغبين في البحث في زوايا التاريخ، حيث توجد بها كاتدرائية، تعتبر - والله العالم - أكبر كنيسة في غرب أوروبا، وبما أننا أسرة على علاقة غير رسمية بالتاريخ، فقد قررنا زيارة تلك الكاتدرائية، فمعظمنا يعاني ارتفاع نسبة الأملاح في الدم، وهذه فرصتنا للمشي، فلبسنا أهم ما عندنا من ثياب، وحشرت نفسي في بنطلوني القديم، وخرجنا في رصانة وهدوء كأني قيصر الروم تحيط به رعيته، وأخذنا نسعى في مناكب المدينة، فسرنا مع من يسيرون حتى تيبست مفاصلنا وجلسنا على رصيف بالقرب من الكاتدرائية، ثم تحلقنا حول مجموعة من الراقصين فأحطناهم بشهقات الإعجاب والتقدير، لتختفي الشمس فجأة خلف الغيوم ثم تهيج الشوارع بمظاهرة فقمنا بالالتحاق بها، وشاركنا أفرادها التظاهر وأخذنا بالتلويح خلف مراسلة إحدى القنوات ثم اتضح لاحقاً أن المظاهرة كانت للمطالبة بحقوق مثليي الجنس!

إن أحيانا الله وكان لنا عمر سنذهب إلى هولندا.. انتظرونا !

samy_alain@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر