اعتذار خطي للنعامة
غرور الإنسان يجعله يعتقد دائماً أنه أذكى المخلوقات وأحكمها وأشجعها وأكثرها وعياً، لذا غالباً ما يقيس ردود أفعال الكائنات على ردّة فعله هو، وإن كانت خاطئة، معتبراً أن ما يفكر فيه دائماً الصحيح، وحكمه دائماً العادل وغير قابل للنقض.
منذ أن حملتنا سفينة نوح وحمتنا وحيواناتنا من الطوفان، لم يسلم مخلوق من شرور «البني آدم»، سواء أكان صديقاً له أو عدوّاً، فسخر من الحمار، واعتبره رمزاً «للغباء»، وسخر من التيس، واعتبره رمزاً «للتياسة»، ومن الأرنب، واعتبره رمزاً «للجبن والخنوع»، والطاووس رمزاً «للغرور»، والقرد رمزاً «للسماجة» والنعامة رمزاً «للغباء».
منذ فترة لفت انتباهي الاستخدام المكرر لوصف «النعامة» من قبل كتاب التقارير والمذيعين والمعلقين الفضائيين والكتاب، عندما يتحدّثون عن أخطاء بعض الحكومات العربية أو يصفون بعض الزعماء العرب، لقد «استباحوا» كرامة النعامة لكثرة ما شبهوا الأنظمة بها، وأسقطوا خيبات الجنرالات عليها، ما استدعاني إلى البحث عن تفسير علمي لدفن النعامة رأسها في الرمال، علها تكون أذكى من الإنسان الذي أطلق حكمه الظالم عليها.. وبالفعل، وجدت حقيقة مدهشة، النعامة لا تدفن رأسها، لأنها لا تريد أن ترى عدوها، على الإطلاق!! هي تدفن رأسها لتستخدمه راداراً يحدد دبيب أقدام العدو، والمسافة التي تبعده عنها، واتجاه خطواته، كما أنها تمارس حيلة دفن الرأس لتبدو أمام بعض المفترسات أنها شجيرة صغيرة بسبب ريشها الكثيف، فتبعد عنها، وبالفعل غالباً ما تنجح، ما يستحق منّا نحن بني البشر أن نقدّم اعتذاراً خطياً وشفوياً للنعامة على ما وصفناها به طوال عقود مضت، ولتفوّقها بالذكاء على ردود فعل بعض البشر وبعض الحكومات أيضاً.
كما يستدعي منّا أيضاً في الوقت نفسه الاعتذار إلى بقية الرموز «الحيوانية»، التي تعارف عليها الناس، من رمز الغباء، والتياسة، والجبن، والغرور، و«السماجة»، فهناك من غلبهم ويغلبهم كل يوم.
❊❊
إذا كان دفن الرأس غباء، فإن رفعه من دون حراك للمواجهة أو الهروب غباء أيضاً.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.