5دقائق

«أعطني الناي وغنّي»

سامي الخليفي

يا فتاح يا عليم، يا رزاق يا كريم، فاجأتني شركة الأسهم بنفحة هزيلة لا تليق بالعشرة الطويلة بيني وبينها، التوزيعات جاءت من باب «سد الفم فتستحي العين عما رأت وشاهدت»، وطبعاً علشان تبقى مع المستثمرين «صافي يا لبن، برميل يا طرشي»، خصوصاً أنها تعلم جيداً أن معظم زبائنها من الضحايا الذين عايشوا العصر الذهبي للسوق، المفاجأة أن الشيك الذي وصل إليّ بلغ 70 درهماً، لمدة 10 دقائق قلبت الشقة عاليها سافلها، بعدها استهديت بالله، وجلست على الأرض جلسة عروس البحر، حيث استندت بيدي على الأرض وأخذت أرسم بالأخرى، ثم تنهدت فتحركت جبال التعاسة على صدري، فحدث لي «فلاش باك» واستعدت ذكريات زمان ووقوفي بين الأطلال، أطلال السوق.

 

في تلك الأيام الخالية كان أقصى طموحي «الستر والصحة مع شوية فلوس»، ومن قلة عقلي واهتمامي بالتفاهات لا الزمن علمني ولا كنت فاضياً لسماع نصيحة، فيومها كنت أسبح في احلام اليقظة وأمشي مع القطيع، اذ كانت السوق تعتبر بمثابة المنقذ الوحيد الذي يميل عليه كل خرمان مفلس، وكانت بالنسبة لأمثالي منتهى أمل الطامحين في قفزة مادية كبرى ونقلة اجتماعية أكبر، «والله وكيلك»، ما إن تفتح السوق أبوابها حتى نهجم على مكاتب الوساطة هجوم الشباب على مطربة نصف صاعدة، بعد انتهاء الحفل، لأخذ توقيعها طبعاً،وهذا بالضبط منطق الرومانسيين الحالمين في هذا العالم، بعكس منطق السوق ونواميس العرض والطلب التي مازلت بعيداً عن استيعابها، حيث قمت بتكديس البيض في سلة واحدة، حتى امتلأت خزائن الشركة القابضة وفاضت، وفي لحظة تسقط لهولها الحبلى، جاءت الأزمة القلبية العالمية، فكانت البذرة التي أثمرت شجرة العلقم في نفسي.

 

هناك طريقة واحدة للولادة وطرق عدة للموت، والحمد لله لم تحن ساعتي تلك الأيام، إلا أنني كنت أقف صامتاً أراقب نمو المشكلة، مكتفياً بدور المتابع، وبما أن لكل حلم نهاية، جاءت النهاية تبدد كل تحليلات علماء الاقتصاد دخاناً في الهواء، مع هذا ظهر لنا عتاة المحللين وحواريوهم الأشبال الذين عملوا لنا من «الفسيخ شربات» لطمأنتنا، إلا أن ظهورهم المفاجئ أصبح لا يفاجئ أحداً، بعد أن قتلت السوق البعض ونحن غافلون، وباع البعض الآخر أسهمه بسعر كوميدي، وتحولت الخسائر إلى هم مقيم داخل كل بيت، وكنت من ضمن الذين هجرته زوجته نائية بنفسها عن مأساته، ودخلت في زمرة البؤساء، و«صياد رحت اصطاد صادوني، ولا عاد البكاء ينفع ولا عادت الشكوى تفيد واللي راح راح، والله أعطى الله أخذ، وسلم لي على الشفافية، وفي انتظار عودة السوق أعادها الله عليكم باليمن والبركات وكل عام وأنتم بخير».

samy_alain@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر