5 دقائق

عندما يترجل الرؤساء

حمدان الشاعر

بمنتهى البساطة وبروح رياضية هنأ نيكولاس ساركوزي منافسه فرانسوا هولاند وتمنّى له حظاً سعيداً، هكذا انسحب بهدوء وودّع شعبه وغادر الإليزيه متعهداً باعتزال السياسة، لم يعتصم مناصروه في ميدان الكونكورد، ولم يمتطِ دبابة متوعداً أفراد شعبه بالويل العظيم لأنهم لا يريدونه رئيساً، ولم يُرق دماء أطفالهم ولم يستبح نساءهم أو حتى يشكك في نتائج الانتخابات.

هو موظف لدى الدولة أدى مهمته التي تباين الحكم في مدى نجاحها، ثم قرر الشعب أنه بحاجة إلى التغيير للخروج من أزماته المالية الخانقة، والبطالة المتفشية والعجز العام طوال السنوات الخمس الماضية، وبالتالي لا ضير من انتخاب غيره ممن يُظن أنه أفضل وأجدر في التعامل مع قضاياهم، خلال المرحلة المقبلة.

فرنسا هي دولة يسبق اسمها لفظة «جمهورية»، كما هو الحال في كل من تونس ومصر وليبيا وسورية واليمن، لكن جمهورية فرنسا مختلفة فهي أكثر احتراماً لمواطنيها وأشد استيعاباً لمعنى جمهورية، يختلف التطبيق فيها وتختلف الثقافة القائمة على احترام وجهات النظر وتقدير رأي الشعب، لأن الشعب هو نفسه الذي جاء بالرئيس إلى سدة الحكم، وهو أيضاً صاحب الحق في استبدالهأ إن ارتأى أنه لم يحقق لهم ما يطمحون إليه.

الحالة الشعبية الراهنة هي التي تقرر من يأتي ومن يذهب، ليست الاشتراكية أو اليمينية، كمذهب سياسي وبرنامج اقتصادي، وحدهما كفيلين بفوز اليمين أو اليسار، وليس الولاء للشخص أو التيار الذي يمثله المرشح ضامناً للنصر، يكفي فقط أن يفوز أحدهما عقاباً لإخفاق الآخر في تحقيق مطالب الشعب خلال سني حكمه.

لم يقل ساركوزي إنه أُهين أو أن أحداً أساء إليه، إنها ببساطة طبيعة الوظيفة التي يقرر فيها الشعب مصير الحاكم، ماذا كان سيخسر أصحاب الفخامة الذين لفظتهم شعوبهم لو أنهم فهموا ماذا تعني «جمهورية»؟ كانوا أدركوا حينها كم هي باهظة تلك الدماء التي سالت من شهداء وأبرياء عزّل لمجرد أنهم قالوا نريد تغييراً يعيد لنا الحياة.

hkshaer@dm.gov.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر