5دقائق

«البلطجة» في المدارس

حمدان الشاعر

ضمان سلامة الأطفال في المدارس واجب مجتمعي بالغ الأهمية لا يمكن التغاضي عنه أو اختزاله في مشكلة يتم تداركها مؤقتاً، في حين أن مسبباتها وبواعثها مازالت كامنة بصورة تجعل سلامة الطفل على المحك في أي وقت. حوادث العنف المدرسي الأخيرة تلقي بظلالها على أكثر من صعيد حول مدى توافر بيئة مدرسية آمنة تجعل من المجتمع المدرسي خالياً من أية ظواهر سلبية تعيق العملية التعليمية، أو تحدّ من قدرة الطلبة على تنمية قدراتهم ومواهبهم دون خوف ودون عقد قد تصاحبهم طوال حياتهم جراء ممارسات أثرت فيهم سلباً في مرحلة ما أثناء طفولتهم.

«التنمّر» أو «البلطجة» في المدارس مصطلح يتداول كثيراً في الغرب ويعكف العديد من المختصين من تربويين ورجال أمن وأولياء أمور نحو وضع سياسات مثلى للتصدي لهذه الظاهرة. فهي كمدلول تعني ارتكاب أفعال ضارة متكررة في غياب توازن للقوة، وتنقسم إلى ضرر جسدي أو لفظي أو نفسي عاطفي، كما تشتمل على الاعتداء أو التهديد أو بث الشائعات أو الابتزاز أو تحطيم الممتلكات أو طلب النقود. وتشير بعض الإحصاءات في أميركا، على سبيل المثال، إلى أن 60٪ من الطلبة تعرضوا لنوع من «البلطجة» خلال سني دراستهم، وأن 30٪ من الضحايا أبلغوا عن هذا التعرض، وأن 10٪ يتعرضون باستمرار لهذه الظاهرة، في حين أن 10٪ من المتنمّرين يشكلون خطراً حقيقياً بحكم اعتيادهم على ممارسة التنمّر على الغير.

على الرغم من توافر بعض الإحصاءات لدينا عن حالات الاعتداء الجسدي في المدارس إلا أنها ليست بهذا التفصيل والدراسة المعمقة التي تبين الواقع المحلي في الدولة، ناهيك عن أنها تغفل عن إبراز حالات الضرر النفسي، والتي تكون في أحيان كثيرة أشد إيلاماً من سواها، خصوصاً أنها قد تؤدي إلى حالات من الاكتئاب والقلق وافتقاد الثقة بالنفس، إضافة إلى الشعور بعدم الأمان والرغبة في الانتقام، وفي حالات قد تصل إلى الرغبة في الانتحار.

لابد من وجود سياسة تعالج هذه الظاهرة من جذورها بوسيلة تتشارك فيها الجهات المختصة كافة لمصلحة أجيال اليوم والغد، ولعل حجر الزاوية فيها يكمن في الإقرار أولاً بأن هناك مشكلة فعلية كامنة لا ينبغي السكوت عنها أو حلّها مؤقتاً أو جزئياً، ثم وضع المسؤوليات في محلها، سواء من ناحية أولياء الأمور أو الجهات المسؤولة عن إدارة العملية التعليمية أو الجهات الأمنية أو المختصين في علم النفس، عبر المكاشفة والمصارحة، ثم المشاركة في صياغة خطط فاعلة تقوم على حماية الطفل في أي ظرف أو أي مكان.

 

hkshaer@dm.gov.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر