5 دقائق

الهروب من الأوطان

حمدان الشاعر

ما أصعب أن تضيق الأوطان بأهلها ويصبح الخروج منها حلماً لا يضاهيه حلم، فعندما يكون الانعتاق من قيود الوطن نتيجة أوضاع مزرية وواقع لا يطاق فإن الوطن لا يعود وطناً.

استطلاعات الرأي التي أجريت أخيراً، في كثير من دول العالم أشارت إلى وجود أكثر من 640 مليون شخص يرغبون في الهجرة إلى بلاد أخرى، وهناك دول يرغب قرابة نصف الشعب في الهجرة منها، فحين تفشل الحكومات في توفير الوظيفة المناسبة والظروف المعيشية اللائقة ويستشري الفساد وتفتح السجون والمعتقلات وتصادر الحريات، فالهجرة عندئذ تكون أول الخيارات فيترك الوطن بعدها غريباً غير مأسوف عليه، يتركه أبناؤه بحثاً عن حياة أفضل وغدٍ أكثر كرامة وحرية، هذه الحقيقة المؤلمة لا تلغي أهمية أن يحتضن الوطن أبناءه انطلاقاً من مسؤوليته تجاههم، فالهجرة أمر قاسٍ ولها تبعات سلبية جمة، وحري بالأوطان أن تعنى بتوفير ظروف معيشية مُثلى لأبنائها، وأن تكون مكاناً يصلح للعيش الكريم اليوم ولأجيال عديدة قادمة.

لربما كان الفساد المستشري في مفاصل كثير من المجتمعات أهم عناصر الطرد من الأوطان ودافعاً نحو البحث عن مستقبل أكثر عدالة، فهو الآفة الناخرة في بنيان الوطن وأكبر مسببات النقمة التي تدفع الناس إلى حالة من اليأس والمغامرة بأرواحهم في البر والبحر ونحو مجهول لن يكون أسوأ من وطن لا يكرم أبناءه، فلا يمكن بأي حال أن تسد أبواب الرزق في وجوه مواطنين، لأن طاغية ما يرفض التخلي عن كرسيه المحاط بالقسوة والظلم، وأن يهجّر آلافاً ليكونوا لاجئين فقط، من أجل أن يعيث فساداً في مقدرات الشعب ويستأثر بخيرات الوطن له ولأقربائه.

يشكل انعدام الأمن كذلك عاملاً مهماً آخر في تحويل مسار الناس وتفكيرهم بحثاً عن بديل لوطنهم، فليس بمقدور المرء أن يحيا في بيئة غير آمنة تنتشر فيها الجريمة والعنف، ولا يأمن فيها على نفسه وعلى أسرته مهما توفرت له وسائل الرفاهية والنجاح.

أي دولة هي فاشلة إن لم تستطع سياساتها وأنظمتها توفير حياة كريمة آمنة تجعل شعبها فخوراً بها مستميتاً في البقاء على ترابها، مطمئناً بين أهله، وحريصاً على أن لا يغيب عنها مهما كانت الأسباب.

كم تخسر الدول من طاقاتها البشرية بسبب الهجرة، وكم تلحق من أذى لعوائل تسير نحو المجهول في سبيلها للهروب نحو أمل جديد ووطن بديل لعله يكون خيراً من تراب الوطن المفقود، لا يكفي أن نحب أوطاننا، بل لابد أن تحب أوطاننا أن تحافظ علينا، وأن تهتم بأن توفّر لنا حياة تستحق أن تُعاش بكل ما تعنيه الكلمة.

فهنيئاً لنا بوطن يرعانا كما ينبغي، ونحبه كما يجب.

hkshaer@dm.gov.ae 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر