5 دقائق

نقرات أناملك

حمدان الشاعر

قبل أسابيع قليلة سقط لاعب بريطاني من أصل نيجيري مغشياً عليه على أرض الملعب أثناء مباراة في كأس إنجلترا، إثر تعرضه لنوبة قلبية مفاجئة، فوقف المجتمع البريطاني بكل فئاته شاخصاً إزاء هذا المشهد المأساوي الذي لا يقبل سوى التعاطف، ولا يحتمل إلا التمني بألا يحدث للاعب أي مكروه. وفي خضم هذا التفاعل المجتمعي الذي يجيش بمشاعر إنسانية أساسية تسقط فيها حسابات اللون والعرق، ينبري طالب جامعي بالسخرية من الموقف وبتعليقات عنصرية عبر موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي ضد هذا اللاعب. وما حدث بعد ذلك من تسلسل للأحداث جدير بالتمعن وأخذ العبر.

أوّلاً: قيام أفراد شرفاء وإعلام نزيه يحرص كل الحرص على رفض هذا السلوك الشائن من بث لفكر عنصري بغيض بالتنديد بتلك التعليقات المسيئة، حتى قيام الشرطة باعتقال المذنب.

فالمسؤولية المجتمعية تقتضي التصدي لأية ممارسات سلبية خارجة على الثوابت الأخلاقية، أو أية ظواهر شاذة من شأنها تعكير السلم الأهلي. الثوابت الأخلاقية ليست حكراً لمجتمع دون آخر، والقيم الإنسانية أياً كان مصدرها هي نواميس كونية لا يستقر المجتمع إلا بفضائلها اقتناعاً وممارسة.

ثانياً: سرعة تقديم المذنب إلى المحكمة بتهمة إثارة الكراهية العنصرية وسرعة الحكم الذي قضى بحبسه 56 يوماً في رسالة حازمة لكل أفراد المجتمع، مؤداها أن القانون يقف سيفاً رادعاً لأية تجاوزات أو إساءات في أي موقع كان حقيقياً أو افتراضياً، وبعيداً عن أية جدليات يعوزها قصور في التشريع أو لبس في التطبيق، فالقانون هنا واضح ومباشر، فالتهمة ثابتة بالإساءة المُقر بها، علاوةً على أنّ من شأن سرعة الحكم وعدم تسويفه إعطاء درس في أن العدالة المؤجلة فيها من الظلم ما لا يحتمله الموقف ولا يرتضيه أصحاب الحقوق، خصوصاً أن بريطانيا مقبلة على استضافة دورة الألعاب الأولمبية صيف هذا العام، التي سيحضرها ملايين من شتى الأعراق والأصقاع، والتهاون في أية إساءة الآن لن تكون أمراً مشجعاً لأي نجاح رياضي واقتصادي.

ثالثاً: عدم الأخذ بدفوعات المذنب حين عزا تعليقاته إلى أنها نتيجة سُكره، لأن الشخص مسؤول عن تصرفاته التي تمت عن سابق قصد وبصفة متكررة، فكما يقول المثل العربي «لسانك حصانك»، فإن نقرات أناملك اليوم هي المسؤولة عما تكتبه في «تويتر» وأخواتها.

ما نلحظه اليوم هو مهاترات بلا طائل، ومغالطات لا سبيل لوقفها، ضاعت فيها الحكمة والبصيرة دون أن يعلم أحد الغاية منها، الأمر الذي يحتم علينا جميعاً توفير رقابة مجتمعية وتربية صالحة لأبنائنا نابعة من قيمنا وأخلاقنا التي ترفض كل هذا الغثاء والإسفاف.

 

hkshaer@dm.gov.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر