«كل يوم وأنت حبيبتي!»
كلما كسرتني الدنيا، لا أجد خيراً من جبيرتها، أذهب إليها وغالباً ما أجد كرسيها المتحرك في اتجاه القبلة، «أستهبل» فأديره إلى الجهة المقابلة، مدعياً جهلي بأنها تصلي، ترفع صوتها (الله أكبر)، فـ«أستهبل» مرة أخرى، وأوجهه إلى جهة أخرى أحس بأنها بدأت تتضايق فأعيده إلى القبلة، تسلّم فأقبّل جبينها الوضاء، أرى في عينيها أنها سهرت تقوم الليل مرة أخرى، أحاول هنا أن أتذكر متى كانت آخر مرة فكرت فيها أن أصلي ركعتين في جوف الليل، أتذكر أنها كانت أثناء سهري لمشاهدة «الكلاسيكو»، قبل أربع سنوات، لكن ما حدث بعد فوز برشلونة سيحتاج مني إلى سبع حجات لا إلى ركعتين! كيف تتحمل هذه العجوز المقعدة هذا الجهد كل يوم، لا أعلم!
أجلس أمامها وأنا أرسم نظرة حزن وإحباط مدروسة وأتحدث ببطء، لا بأس من بعض التمثيل، طالما أنني سأخرج من هناك ببضع عشرات من الألوف أو «بموتر» جديد، أنتظر أن تسألني عن أموري المادية، فتسبقني بسؤالها التقليدي: «شو أخبار الولاية؟!»، لا أعرف سبب إصرار أمي على استخدام مصطلح (الولاية)، تشعرني بأن لنا أصولاً في تكساس أو فلوريدا!
تتذكر فجأة أمراً ما، فتحضر مصحفها، وتطلب مني وضع يدي، وأن أحلف بأنني لا أدخن، فأحلف لها بالطبع، وأنا أدلس لأن «التشييش» يختلف عن التدخين، تنظر إليّ بمكر، وهي تقول «ولا تشيش»، فأدلس مرة أخرى، وأنا أحلف، فتشييش (الكباب) يختلف عما أفعله، تقول لي إن فلانة تزعم أنها رأتني، فأؤكد لها أن فلانة تحقد عليّ لأني لم آخذها!
أغير الموضوع وأعود إلى أخبار (الولاية)، أقول لها إن هناك مذابح في سورية، وفوضى في مصر، وإن جنوب السودان قد انفصل، وإن هناك فيضانات في الشرق، وزلازل في الغرب، أريها بعض صور مقتل القذافي، والمسبات بين الأخوة الأعداء في «تويتر»، تُصاب أمي بالرعب، وتقتنع بأنه لا خير في الحياة، فتمنحني كل ما لديها، بعد أن زهدت في دنيانا المملوءة بالمصائب!
أحبك أيتها العجوز! جربوها و«ادعولي»!
Twitter:@shwaikh_UAE
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .