5 دقائق

نداء الواجب

حمدان الشاعر

لم تكتفِ سورية ببطولات رجالها وشبابها وحتى أطفالها في نضالهم ضد الطاغية، بل امتدت إلى صحافيين غربيين ليلقوا حتفهم بقذائف الغدر والأكاذيب. ذهب الأجانب إلى هناك لأن واجب المهنة دفعهم إلى استطلاع الحقيقة وفهم ما يحدث على أرض الواقع، والواقع صعب وقاس ودموي ويكاد يتحول إلى حالة مجنونة مهووسة بالقتل، ذهبوا إلى هناك طلباً للحقيقة حتى تكون صورة وخبراً وتحقيقاً تعري تلك الأكاذيب، لم تخفهم مشاهد الدم والدمار، والجثث الملقاة هنا وهناك، ولم يرهبهم بطش النظام وممارساته، ولم ترعبهم قسوة الحياة وظروفها، هو الإيمان المطلق بواجب المهنة وحتمية الانصياع لإملاءاتها اللاإرادية التي تجعل نقل الحقيقة غاية مقدسة لا مساومة فيها.

لهذا الواجب ثمنه الصعب، فماذا أغلى من الروح أن تذهب نداءً للواجب؟ فضائياتنا العربية اكتفت بتصوير الأحداث عبر هواتف الأبطال هناك، أما أولئك الذين عاشت المهنة على مسامات جلودهم، فأبوا إلا أن يكون النقل حياً وصادقاً ومطابقاً للواقع، فأن تشاهد وتقابل وتعيش كل يوم مأساة أولئك المعذبين أدعى للصدق وأوقع في النفس.

متوالية القتل والتشريد التي لا تخلو منها اليوم قرية أو مدينة ولم يسلم منها شيخ أو طفل، والتي لم تراعِ فيها حرمة المساجد والأعراض تجعل من الواجب تعرية الطاغية وفضح ممارساته وألاعيبه، كما أن كشف الوضع الإنساني المأزوم الذي يعانيه الناس على الصعيد المعيشي من دون بادرة أمل في فرج قريب لأمر ملح وضروري لتحريك المشاعر وحشد الجهود في معركة يبقى الإعلام محركها ولاعبها الرئيس.

إذا كانت الصحافة مهنة البحث عن المتاعب، فإنها اليوم تجاوزت المتاعب إلى الموت أو القتل، بمعنى أكثر دقة هذه المهنة التي تستحق الاحترام، والتي زجت بأبطال في خضم حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل سوى إدراك الحقيقة ومعرفة التفاصيل وحيثيات لا يستطيع سواهم أن يدرك كم من المهم أن يكون صادقاً مع نفسه وقادراً على إدراك تبعات المهنة التي اختار، هذه قيمة الحياة في القناعة بثوابت وقيم أخلاقية تجعل من الواجب مهنة وحياة تعاش بشكل يومي كأنها الأصل في الحياة.

طوبى لشهداء الحرية وهنيئاً لأولئك المناضلين في سبيل الواجب وإعلاء شأن الحقيقة، على الرغم من التحديات، وبكل التضحيات التي تعطي للحياة قيمة حتى إن كانت ضريبتها الحياة نفسها.

hkshaer@dm.gov.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر