على جثة الوزير الثوري!
سبق لي أن كتبت مقالاً لهذه الزاوية، تحدثت فيه عن الاستبداد ومواقف المثقفين منه، وقد أشرت إلى نقطة أعتبرها جوهرية، وهي أن رفض الاستبداد لا يكون ذا قيمة عندما نعرف أننا نستبدل استبداداً بآخر، أو قد يحدث ذلك في الأقل، وأشرت إلى مواقف السلفيين في مصر من العدو الصهيوني، ناهيك عن مواقف حزب العدالة والتنمية ـ عفواً ـ العدالة والحرية المصري.
فالسيد وزير الثقافة التونسي الجديد، ابن حزب النهضة الغنوشي، يصرح من دون وجل أو تردد أو اهتزاز، بأن حضور فنانات وفنانين معينين إلى قرطاج لن يتم إلا على جثته.
يبدو الرجل واثقاً بتهديده وقراره، لكن الأكثر أهمية من ذلك، أنه يتحدث عن الثقافة بلغة الجثث والموت، وهو الذي أطاح حزبه بالطاغية بن علي ونظامه قامع الحريات ورمز الاستبداد والتفرد وتهميش الآخر وإقصائه.
وزير الثقافة التونسي الجديد لا يرى ضيراً أو ضرراً في محاورة الصهيوني، وهو ما جاء على لسان زعيمه الغنوشي الذي أبدى استعداداً ليس للتحاور فقط، بل للتعايش أيضاً، متغاضياً عن حقوق الفلسطينيين في أرضهم وسيادتهم وفي رد الأضرار التي أصابتهم من قتل وتشريد وسجن وتعذيب، لكنه يرى في حضور مغنية عربية كنانسي عجرم مثلاً، خطراً داهماً على تونس وياسمينها وثورتها، وربما على سمعة البوعزيزي الذي كان جسده المحترق هو الشعلة التي أوصلت هذا الوزير إلى هذا الموقع.
وهنا أعود إلى الموقف من الاستبداد والقمع، وأؤكد أن الموقف الذي يتجاهل الوجه الآخر، ليس إلا موقفاً مؤيداً للاستبداد، حتى إن بدا غير ذلك. فلا يكفي أن تكون ضد الاستبداد، من دون أن تمتلك رؤية واضحة لبديل غير استبدادي بالضرورة، أما أن تكون ضد الاستبداد من جهة، وتعمل مدفوعاً بأيدلوجيا صماء، فهذا يعني تكريساً لاستبداد أشد وطأة وثقلاً من سابقه، فما معنى أن نشعل ثورة في تونس ضد قمع الحريات، ثم نأتي بوزير يهددنا بقمع الحريات ولو تحولت قرطاج إلى ساحة معركة بالرصاص والمدافع؟ وما معنى أن نثور على نظام إقصائي وتهميشي لنأتي بآخر أكثر إقصاءً وتهميشاً وتمسكاً بالرأي الواحد، وغير قابل للتحاور في موقفه أو رأيه أو وجهة نظره؟
ربما يقول قائل كما سمعنا من قبل: إن الثورات تحتاج إلى وقت لتنضج وتحقق أهدافها، وهذا قول صحيح لا اعتراض عليه، لكنه صحيح فقط عندما تكون لدينا أهداف واضحة وثورية بحق، لا أهداف ضبابية أو واضحة تتعلق بالسطو على السلطة تحت مسمى الثورة.
لقد وصلنا في العالم العربي قبل هذه الثورات إلى مرحلة متقدمة من حرية التعبير، بالقياس إلى فنان على جثة الوزير، ويبدو أن وزير الثقافة التونسي يعتقد حتى قبل تسلمه السلطة، أنه اشترى تونس أرضاً وقيمة ومفاهيم وفكراً ورؤية، لمجرد كونه ابناً لأغلبية برلمانية، وإذا كان هذا الوزير يتعامل هكذا مع فنان أو مطرب، فكيف سيتعامل مع أشكال الثقافة الأخرى؟ الكتابة الفكرية والأدبية والسينما والمسرح والفن التشكيلي؟ وكيف سيتعامل مع أصحاب الرأي السياسي المختلف؟ الجواب يكمن في تصريحات المتشددين المصريين حول أدب نجيب محفوظ وأعمال عادل إمام!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .