5 دقائق

«تيتانيك» مرة أخرى

حمدان الشاعر

كارثة السفينة السياحية التي جنحت قبالة السواحل الإيطالية لاتزال تتفاعل على أكثر من صعيد، فبعد وفاة أكثر من 30 شخصاً فإن البيئة البحرية مهددة كذلك بالتلوث وتدمير الحياة الفطرية في محمية طبيعية تعج بالكائنات البحرية بالقرب من ساحل نظيف خلاب، خصوصاً أن تسرب الوقود من السفينة وارد في أي لحظة.

كابوس أشبه بمأساة الـ«تيتانيك»، فرحلة سياحية هادئة في بيئة جميلة تنقلب كابوساً ومأساة إنسانية وبيئية بلا موعد، لمجرد سلوك أرعن من القبطان الذي قاد السفينة في استعراض زائف خارج خط السير المحدد له ليرتطم بالصخور وتجنح السفينة فتحل الكارثة، ثم لا يقتصر الأمر على ذلك، بل يماطل في الإبلاغ عن الحادث، ليمر الوقت ملتهماً العديد من الوفيات، فيبادر بالهرب ومغادرة السفينة.

كثيرة هي المآسي التي يتسبب فيها الغرور والاستعراض الزائف الذي لا يراعي قدر الإنسان وكرامته، وكثيرة هي السلوكيات غير المسؤولة التي تنفلت من كل عقال، فلا ضمير يؤنبها ولا قانون يردعها. والغرور لا ينتج عنه سوى مزيد من جنون وتداعيات يدفع ثمنها الآخرون، فالتصرف غير المسؤول للقائد مآله ضحايا وأرواح، ولذلك فإنه لا يستحق القيادة سوى المتمرس الذي يدرك بخبرته عواقب تصرفاته وقدرته على قيادة دفة السفينة إلى بر الأمان، بدلاً من الدخول في أزمات يعانيها الجميع لخطأ ارتكبه فرد واحد.

وعلى مستوى الدول والشعوب تكون المصيبة أعظم، فالتاريخ لا يعفو أو يسامح قائداً لم يعرف حجم قدراته، ولم يحدد أهدافه، ولم يراع متطلبات شعبه، فانطلق في مغامرات فاشلة، يدفع ثمنها الشعب بأكمله، إرضاءً لنزق زائف وتصرفات صبيانية هوجاء، فالقيادة مسؤولية عظمى تتطلب تصرفات ناضجة، تقدر نتائج كل الأفعال بلا مجازفات غير محسوبة العواقب، كما تتطلب روحاً مسؤولة قادرة على تحمل النتائج مهما كانت، واحتراماً للقانون مهما كانت التبعات، علاوةً على إقرار بالخطأ أينما كان.

حقيق بالنيابة الإيطالية أن توجه تهمة القتل العمد في سابقة نادرة لتصرف قبطان السفينة، فالاستهتار، والعبث بالأرواح، ثم الهروب من المواجهة، وعدم الاعتراف بالخطأ، جملة أخطاء أبداً لا تغتفر.

hkshaer@dm.gov.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه

تويتر