5 دقائق

ديربان.. مسلسل الخيبات

حمدان الشاعر

في ديسمبر من كل عام يجتمع ممثلو دول العالم لمناقشة مصير التغير المناخي، هذه القضية التي باتت مشكلة مؤرقة للساسة والاقتصاديين، ناهيك عن منظمات المجتمع المدني، في حين أنها قضية الخاصة والعامة، قضية الحكومات والشعوب في المواءمة بين ضرورات المستقبل وحتمية الحاضر، علاوةً على كونها قضية مسؤولية أخلاقية تجاه ظواهر تتشكل وبيئات تختفي وكائنات تنقرض وجزر تغرق وشعوب تعاني، رغم أنها تشاطرنا المعيشة على هذا الكوكب.

في الأسبوع الماضي اختتمت أعمال المؤتمر المناخي الـ17 في ديربان بجنوب إفريقيا، الذي كان مؤملاً فيه وضع استحقاق جديد لاتفاقية جديدة تستبدل بروتوكول كيوتو المناخي، فعلى الرغم من القناعات المتزايدة التي تؤكدها حقائق علمية وتشهد لها وقائع طبيعية عن مستقبل المناخ، الذي يوشك أن يكون كارثياً في غضون أعوام قليلة مقبلة، فإن الاحتباس الحراري لم يكن بالسخونة ذاتها في قاعات التداول والتفاوض، وعلى الرغم من التقارير التي تشير إلى ازدياد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمعدل 10٪ عن العام السابق، أي بزيادة قدرها 500 مليون طن إضافي، وهي أكبر زيادة سنوية منذ الثورة الصناعية، فإن الالتزام المطلوب من الدول الكبرى يبدو بعيد المنال.

كثير من النقاش الممزوج بالتسويف وإرجاء العمل الفعلي الملزم إلى سنوات لاحقة أصبح سمة لازمة للعديد من القضايا ذات الأولوية الملحة، على الرغم من أن خطورتها لا تتحمل أي تأجيل ولو بضع سويعات، فالأنانية المفرطة التي تطغى على الدول المهيمنة وعدم الاكتراث بمستقبل الشعوب الأخرى تجعل العالم في دوامة المجهول، إذ لا يعرف أي مصير ينتظر هذه البشرية وهذا الكوكب الذي يحتضنها، فالأمر أشبه بقضية أصحاب السفينة «في الحديث الشريف»، فلو نال أحدهم نصيبه من دون اكتراث بالآخرين لهلك وهلكوا، فكذلك حالنا اليوم توشك السفينة على الغرق من دون أن يأخذ أحد بيد المسيء، فها هي الصين والولايات المتحدة والهند تنفث مليارات الأطنان من ثاني أكسيد الكربون، في هرولة صناعية محمومة، لتعظيم الناتج المحلي من دون اعتبارات لمستقبل الكوكب، ومن دون اتخاذ تدابير عملية تكبح جماح الغازات الدفيئة، التي تزيد الاحترار الأرضي بصورة يصعب فيها إعادة المناخ إلى وضعه الطبيعي، فالمطلوب اليوم عمل جماعي ملزم نحو تقليص الانبعاثات قبل عام ،2050 وردها إلى ما كانت عليه في التسعينات، وإلا فإن العالم مقبل على وضع حرج ستكون تداعياته كارثية على أكثر من صعيد.

لا ضوء في آخر النفق، فالإرادة السياسية تبدو غائبة والوقت يوشك على النفاد، والدخول في مفاوضات عبثية و«خريطة طريق» ليست فيها بوصلة لن يحقق المطلوب، ولن يكون سوى رهان الجشعين وفرصة لبيع المستقبل بأبخس الأثمان.

hkshaer@dm.gov.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

 
تويتر