« راجعنا بكرة »!

صدقاً أصبحت أخشى أن أنتقد أية ظاهرة سلبية في المجتمع، لأن ردود الفعل أصبحت جارحة نوعاً ما، ولا تخرج في سياقها عن: «أنت تحط علينا!»، «صحيفتك تحط علينا!»، «أنت تعض اليد التي امتدت لك ذات يوم!»، «لديك أجندة مشبوهة!»، «المؤسسة الفلانية وعدتك بتزويجك إحدى منتسباتها إن أنت شهرت بنا!»... وأكثرها قساوة على النفس بالطبع: «أنت لم تعد تحبني!»،

لذا وخوفاً من هذه الكلمات لن أذكر أين وقعت هذه التجربة الجميلة، ولن أذكر المدينة الأجمل، وسأحتفظ لنفسي بحق نكران أي سؤال سيوجه إلي حولها، وهذا ما يسمونه «خط رجعة»، ومن الخبرة المتراكمة نتعلم! الأسبوع الماضي خرجت لعمل معاملة تسمى «اعتماد توقيع»، وهي عبارة عن ورقة توقع عليها لتخبر الجهة التي ستمنحها إياها أن مجموعة «الشخابيط» الموجودة داخل المربع هي «شخابيط» تعود لأناملك الذهبية، وعليه فأي معاملة تحمل «الشخابيط» ذاتها، هي معاملة قد «شخبطت» عليها بدرايتك! ذهبت إلى تلك الدائرة الجميلة التي تتبع وزارة اتحادية لأرى في الاستقبال نحو 10 كراسي تسعة منها شاغرة، وتفضل عليّ الجالس في الكرسي الأخير أنه لا يعرف، لكنه «يعتقد» أن عليّ المرور لدى كاتب العدل!

هنا يتجلى الإبداع، فستكتشف بعد ساعتين من حرق الأعصاب أن معاملتك تتطلب المرور على خمس نقاط في الدائرة، لكن عبقرية «البيروقراطية» تضع كل نقطة منها في مكان مختلف، وعليه سوف تخسر ثلاثة أرباع الكيلوغرام في هذه المعاملة! عندما شاهدت الرجل الواقف لدى المدخل علمت أن «الليلة لن تعدي على خير»، لسبب بسيط هو أنه ينتمي إلى وزارة أخرى تماماً، لكنه يقوم بعمل المنتسبين لهذه الوزارة «ربما»، لانشغالهم بأمور أخرى لا أعرف، طلب مني أولاً إحضار شاهدين والعودة، وكالعادة ذهبت «لأشحت» أي اثنين من الموجودين من باب «اشهد لي وأشهد لك»، عثرت على اثنين معسورين، رجعنا إلى الرجل ذاته الذي لا أجد وصفاً ينطبق عليه مثل وصف «الأليط»، وهي كلمة مصرية لا أعرف معناها، لكنها غاية في العمق، ليخبرني أن علي تصوير بطاقتيهما «كأنه لم يمكنه ذلك في البداية»، صورناهما وعدنا إليه ليخبرنا بأن علينا العودة لإحضار رقم من «كاونتر» آخر، ذهبنا لإحضار الرقم، وعدنا إليه ليخبرنا بأن علينا الذهاب للدفع أولاً، ذهبنا للدفع في الناحية الأخرى من المبنى الجميل، ليفاجئنا الموظف الذي ينتمي إلى وزارة ثالثة هذه المرة بأنهم لا يتسلمون «الكاش» لأسباب لوجستية، وعلينا شراء درهم إلكتروني من الزاوية الرابعة في المبنى «على الرغم من أن المبنى دائري»، ذهبنا لشراء الدرهم الإلكتروني، وبالطبع فالرسوم ،75 لكن البطاقة بـ،100 ولسان الحال يقول: ما عليه دفع بلاء، ليرفض صاحب المصرف منحك البطاقة، إذا لم تعطه «درهمين خردة»، لتكتشف أن آخر درهمين «خردة» قد دفعتهما في مواقف السيارات، فتعود عجلة «الشحاتة» من جديد، لتعود إلى الشخص «الأليط»، الذي يدقق الأوراق ثم يبتسم تلك الابتسامة الشريرة ويقول لك: إن الساعة تجاوزت الواحدة والنصف، راجعنا بكرة.

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

 

الأكثر مشاركة